الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
اختلف العلماء في سبب نزول سورة التحريم، وتحديدًا الآية الأولى منها، على قولين رئيسيين:
القول الأول: أن سبب النزول هو تحريم النبي صلى الله عليه وسلم للعسل، كما روت عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري ومسلم. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب العسل عند زينب بنت جحش، فتواطأت عائشة وحفصة على أن أيهما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، تقول له: "أكلت مغافير؟ إني أجد منك ريح مغافير". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش"، ولن أعود له. فنزلت الآية: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك".
القول الثاني: أن سبب النزول هو تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لجارية، كما روى النسائي عن أنس رضي الله عنه. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يطؤها، فلما زال به عائشة وحفصة حتي حرمها، فأنزل الله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك".
ويرجح القاسمي رحمه الله تعالى القول الثاني، وذلك لوجوه منها أن مثله يبتغى به مرضاة الضرائر، وأن روايات شرب العسل لا تدل على أنه حرمه ابتغاء مرضاتهن، وأن الاهتمام بإنزال سورة على حدة لتقريع أزواجه ﷺ وتأديبهن في المظاهرة عليه يدل على أن أمراً عظيماً دفعهن إلى تحريمه ما حرم، وما هو إلا الغيرة.
والصحيح هو الجمع بين القولين، حيث يمكن أن يكون سبب النزول هو تحريم العسل أو الجارية أو كليهما معًا، حسب السياق والظروف المحيطة بالنبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.