في غمار تاريخ الإسلام الشريف، احتفظت فترة حكم "الخلفاء الراشدين" بمكانة بارزة ومرموقة داخل المجتمع الإسلامي لما عرف عنها من عدالة وانضباط بحسب التعاليم المحمدية. هذه الفترة التي امتدت حوالي ثلاثين عامًا عقب وفاة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- لم تشهد إلا حكامًا أتقياء اختارهم مجتمع الصحابة بناءً على مبادئ دينية راسخة. يُعرَف هؤلاء الحكام الثلاثة عشر رئيسيًا -ومن ضمنهم أبرز الشخصيات الأربع التي تميزت بغزارة أعمالها وحكمتها-: أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليهم جميعًا- باسم "الخلفاء الراشدين".
إن تسمية "راشد" ليست مجرد وصف افترائي ولكنها تعكس واقعًا واضحًا يشهد له التاريخ والنقل المتواتر والأحاديث النبوية الشريفة. يأتي هذا التصنيف الدقيق حسب تعريف الحديث النبوي الذي رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن: "(... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)". هنا يستخدم المصطلح 'المهدي' للدلالة على الهداية والتوجيه المستقيم كما هي صفات الرقيب الأعظم. ليس ذلك فقط بل يؤكد الحديث الآخر للرسول الكريم موقفًا مشابهًا حين قال: "(...ثم تكون خلافة على منهاج النبوة...)" مما يعكس ارتباط مباشر بالإتباع العملي للسيرة الذاتية للنبي محمد -صلوات الله عليه-. وهذه الروابط الوثيقة جعلت من واجب المسلمين السير على خطاهم الجادة والسلوك وفق نهجهم الرباني.
أما بشأن تفاصيل حياة هؤلاء الأفذاذ، فتعد قصة كل واحد منهم تجربة فريدة تستحق التأمل والتفكير. بداية، يعد أبو بكر الصديق أحد أهم شخصيات عصر الجاهلية والإسلام. كان معروفًا بصراحته وجرأته وحسن مخالطته للناس وإنسانيته وتعامله بالحكمة والموعظة الحسنة حتى أثناء محنه وما تعرض له أثناء الفترات الأولى للإسلام عندما أصبح مساعداً ومعاوناً لنبيه خلال عملية نشر الدين الإسلامي في الجزيرة العربية.
وبالنظر إلى شخصية عمر بن الخطاب فهو مثال رائع للحاكم القوي والحازم والذي قاد جيوش المسلمين نحو انتصارات عظيمة مثل فتح القدس. أما عثمان بن عفان فلقد برز باقتصاديته وكرمه وشهامته مما جعله يتمتع بثقة كبيرة لدى الناس وتمكن منه الحكم بطريقة رشيدة للغاية مدفوعة بتوجهه المهيب تجاه تطبيق شرع رب العالمين بكل جوانبه. أخيرا وليس آخراً، فإن دور علي بن ابي طالب الذي لعب دوراً مركزياً كابن عم للنبي وزوج لابنته الفاطمية الشهيرة وزاملاً له، يلخص سمات قيادة تحكم بالقسط والعدل وتحظى بدعم واسع رغم الظروف الطائفية المضطربة آنذاك والتي انتهى بها الأمر بانقسام كبير أدى لاحقا لتأسيس الدولتين الأموية والعباسية فيما بعد.
وفي نهاية المطاف، فالاسباب الرئيسية لتسميتها بالـ "الخلفاء الراشدين"، تنبع أساساً من كونهم قدوة صادقة ومتوافقة بشكل كامل مع التعاليم القرآنية والسنة النبوية بالإضافة لأعمالها البطولية المثالية خلال تلك الحقبة الغنية بالأحداث السياسية والدينية والاجتماعية الملفتة. وبذلك يمكن القول إن اختيار مصطلح "راشد" لهذه العقود الثلاث الأولى من وجود دولة الإسلام الحديثة كان قرارا منطقيا تمام الانسجام مع الواقع وظاهرة مستمرة ويستند الي مصادر ذات قدر عال جدا من السلطة الشرعية والقيمة النظرية والعبرة العملية أيضًا .
