امتازت حياة القبائل العربية في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، والتي تعرف بالعصر الجاهلي، بتنوع كبير ومثير للاهتمام فيما يخص الجانب العقلي والفكري للأفراد والمجتمع ككل. رغم قسوة الصحراء وطبيعة الحياة البدوية الصعبة، إلا أن هذه البيئة خلقت بيئة خصبة لظهور العديد من سمات التفكير المنظم والعقلاني.
في هذا السياق، يمكن ملاحظة عدة جوانب مهمة للحياة العقلية للعرب خلال تلك الحقبة الزمنية:
الشعر والأدب:
يعد الشعر أحد أكثر أشكال الفنون شهرة وتأثيراً بين العرب القدماء. لقد كان الشعراء بمثابة المؤرخين الحقيقيين لتلك الحقبة، حيث كانوا يسجلون الأحداث اليومية والحروب والشعائر الدينية وغيرها الكثير عبر أبيات شعرية متداولة حتى يومنا هذا. كانت القصائد تعكس عمق الفكر الإنساني والسعي نحو فهم الذات والعالم الخارجي لها. ومن أشهر أمثلة ذلك ديوان امرؤ القيس، الذي يعرض جانباً درامياً وحزيناً من حياته بعد فقدان عرشه وكيف أثرت عليه هذه التجربة بشكل كبير. كما برز اسم "عنترة بن شداد" باعتباره فارساً شجاعاً وصاحب قلب طيب ويحكي قصص مغامراته البطولية ضد قبيلة عبس. كلتا الشخصيتين هما انعكاس رائع للقيم الأخلاقية والنضوج العقلي للشعب العربي آنذاك.
المحاكمات والقضايا القانونية:
لم يكن هناك نظام قانوني محدد مكتوب ولكن بدلاً منه اعتمدوا على ما يعرف بالنظام القبلي الخاص بكل قبيلة والذي يقوم أساساً على عرف وعادات راسخة منذ القدم. وعلى الرغم من بساطتها نسبياً مقارنة بالقوانين المكتوبة الحديثة، فإن إدارة الشؤون المدنية والجنائية تعكس قدرتهم على حل النزاعات بطريقة عقلانية ومعقولة إلى حدٍّ كبير. بالإضافة لذلك، وجدت أيضا بعض الأمثلة البسيطة لنوع جديد من الحكم وهو حكم الرأي العام ("الدارجة") حيث يتم نقاش قضية معينة أمام مجلس اجتماعي مجتمعي مؤلف غالبًا مما يسمى بالـ"سفراء". وهذا يدل على وجود نوع من الاقتناع المجتمعي بمبدأ المساواة أمام القانون وبأن الجميع قادرون على تقديم آرائهم الخاصة بشأن مسألة عامة مثيرة للجدل.
علم الفلك والتنجيم:
رغم افتقادهم للتقدم العلمي المتطور وقتئذٍ، استخدم العرب تقنيات بسيطة مثل مراقبات السماء ليلا لرصد حركة الشمس والقمر والكواكب الأخرى واستخدام تلك المعرفة لأهداف مختلفة بما فيها تحديد اتجاه القبلة أثناء أداء الصلاة واتخاذ قرارات تتعلق بزراعة الأرض اعتمادا عليها أيضاً. وهذا يشير إلى تركيز واضح للسكان حول العالم الطبيعي وإن لم يكن ضمن حدود البحث العلمي المجرد ولكنه بالتأكيد جزء أساسي لفهم سلوك الطبيعة والاستمتاع بها وتحقيق الاستفادة منها.
التعليم والمعرفة:
كان التعليم موجوداً بكثرة لكن بصورة غير منظمة بشكل رسمي ولا مركزية إذ لم تكن هنالك مدارس وفق التعريف الحديث للمدرسة بل كان دور الوالدين وأصحاب الخبرة الأكبر سنّا بارزا جداً بينما توارثت معرفة الدين والعادات التقليدية جيلاً بعد آخر داخل بيت واحد ثم تقدمت الي طبقة أخرى خارج البيت كالبيت الجامعي الشهير (بيت حرام). وفي نهاية المطاف, لعبت الرواة دوراً مهماً في نقل التاريخ والثقافة الشعبية من جيل لآخر وذلك ولعملهما كمصدر هام لتكوين الأفكار العامة وسرد الوقائع القديمة ذات مغزى روحي وديني لكل فرد عربي عاش خلال تلك العصور المبكرة للعروبة والإسلام لاحقا .
هذا عرض مبسط لجوانب الحياة العقليه للعرب في عصر الجاهلية وهي مجرد نقطة بداية لاستكشاف المزيد حول الثقافة العربية الغنية بتاريخها الطويل والعريق قبل وبعد الاسلام مباشرة , رحلة مليئه بالأمثلة المشوقة للإبداع البشري تحت مختلف الظروف سواء كانت ظروف طبيعية صعبة ام سهلة نسبيآ مقارنة بحياة الانسان اليوم وما وصل له من تقدم وفكر متنوع ومتطور دائما بإذن الله تعالى