لقد مرّ الاسم التاريخي لبيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمراحل متعددة حتى استقر أخيراً على ما نعرفه اليوم باسم "المدينة المنورة". كان يُطلق عليها في الجاهلية اسم "يثرب"، وقد انتشر هذا الاسم نتيجةً لتاريخ المنطقة وتراثها القديم. ولكن مع هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها وبقرار منه كريمه، تغير الاسم ليصبح "المدينة". هذا الانقلاب في التسمية له دلالات عميقة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة المسلمين الأولى وأحداث الهجرة.
الدليل القرآني على هذه التسمية واضح في قوله تعالي: {وما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عنه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمص في سبيل الله ولا يطؤون موطئ يغضب الكفار} [التوبة : 120]. هنا يؤكد القرآن الكريم أهمية المدينة بالنسبة للمسلمين ويذكر أنها مكان النزوح الأخير للنبي صلى الله عليه وسلم وأن الخروج منها يعد خروجاً عن ظل وحماية الدين الإسلامي نفسه.
بالإضافة لذلك، فإن استخدام كلمة "المدينة" يشمل عموم البلاد وليس فقط المركز الرئيسي لها. وهذا يعكس الدور المركزي الذي لعبته المدينة تحت قيادة النبي صلى الله عليه وسلم كمستوطنة رئيسية للإسلام والمهاجرين والأعراب الذين انضموا للدفاع عنها لاحقاً.
يشدد العديد من المفسرين أيضاً على أن تسمية النبي صلى الله عليه وسلم للمنطقة بـ"الطيبة" و"طابة" تشيران إلى جمال الروحانية والدينية المرتبطتين بالموقع بدلاً من وصف الأرض نفسها التي كانت معروفة سابقاً بطابع صحراوي غير جذاب إلى حد كبير. ربما ارتبط ذكر "الثرب" -والذي يعني المرض والوباء حسب بعض التفسيرات العربية القديمة- بتلك الفترة المبكرة قبل دخول الإسلام عندما تعرض سكان المدينة لمختلف أنواع الأمراض الطبيعية بسبب طبيعة البيئة الصحراوية القاسية آنذاك. لكن الأمر أصبح مغايراً تمام الاختلاف منذ لحظة ظهور الدعوة الإسلامية وانتشار البركات والإصلاح الاجتماعي داخل المجتمع المحلي مما جعل المكان يستحق ألوان جديدة من التعريف والتقدير بما يحقق مصالح الجميع داخله وخارج الحدود العمرانية الضيّقة أصلاً.