تشكل مسألة طبيعة الأخلاق البشرية محور نقاش فلسفي عميق منذ القدم. يرى البعض أنها جزء أساسي من التركيبة الإنسانية، أي أنها فطرية، بينما يعتقد آخرون بأنها نتاج البيئة والثقافة والمعرفة المكتسبة، مما يعني أنها مكتسبة. وفي الواقع، يمكن اعتبار الأخلاق امتدادًا لطبيعة الإنسان الفطرية، لكنها تتطلب أيضًا عملية اكتساب مستمرة للتطور والارتقاء.
جوانب الفطرة والأخلاق
على مستوى الفطرة، نجد الأدلة الدينية والنفسية تدعم فكرة وجود ميل نحو الخير والشريعة المنظمة للسلوك الإنساني. فقد أكدت العديد من الآيات القرآنية على فطرة الإنسان وكيف أنه "معروف عند الله"، مثل قول الله تعالى في سورة البلد: "(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)". وهذا يعكس قدرة الإنسان على التفريق بين الهداية والضلالة منذ ولادته. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد الحديث النبوي الشريف: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة"، على أن جوهر الإنسان جيد بطبيعته ويمكن تطويره بالحكمة والممارسة الصالحة.
دور الثقافة والعلم في تشكيل الأخلاق
ومن الجانب الآخر، تلعب المعرفة المكتسبة دوراً أساسياً في تنمية الأخلاق وتعزيز قيم المجتمع. فالعلوم الاجتماعية والدينية توفر أدوات لفهم مفاهيم مثل العدالة والاحترام والكرم بشكل أعمق وأكثر شمولاً. وعبر التاريخ، أثبتت الشرائع السماوية أهميتها في تنظيم السلوك الإنساني وتعزيز القواعد الإرشادية للأخلاقيات العامة. إن الجمع بين الفطرة السليمة والمعرفة المكتسبة يخلق مزيجا فريدا يسمح بتشكيل شخصيات قوية قادرة على اتخاذ قرارات أخلاقية رشيدة.
إن المقاربة المثلى ربما تكون اعترافاً بحقيقة كون الأخلاق جزءً أصيلاً من طينة الإنسان ولكنها أيضاً تحتاج لإعداد ومعارف مكملة لصقلها وصيانة سلامتها وسط تحديث العالم وتنوع ثقافاته. بذلك، يمكن للشخص أن يحقق توازن صحيح بين ميوله الداخلية ورؤيته الخارجية للعالم.