شهد العصر الأموي تحولات كبرى ساهمت بشكل كبير في ازدهار الاقتصاد الإسلامي، حيث امتدت الدولة الأموية لتغطي مساحات شاسعة مترامية الأطراف بدءاً من بلاد الشام ومرورًا بخراسان ومصر والشام وأندلس وأجزاء كبيرة من شمال أفريقيا. وقد أسهم هذا الاتساع الجغرافي الواسع في تنوع مصادر الثروة ونوعيتها مما أدى إلى خلق بيئة خصبة لنمو التجارة والصناعة والصناعات الحرفية المختلفة.
أولاً، شهدت فترة حكم بني أمية نمواً هائلاً في القطاع الزراعي مدعومة بتطبيق نظام جديد للري وهو "النظام القنوات"، والذي لعب دوراً حيوياً في زيادة الإنتاج بمعدلات غير مسبوقة خاصة مع وجود موارد مياه غزيرة مثل نهر الفرات ودجلة والنيل. كما تم تطبيق سياسات زراعية داعمة للمزارعين المحليين بما فيها تخفيف الضرائب عليهم وتقديم الدعم لهم بالأدوات والمعدات الحديثة آنذاك. بالإضافة لذلك، حرص الخلفاء الأمويون على تشجيع استصلاح الأراضي الجديدة وبالتالي توسيع رقعة المساحة الصالحة للزراعة. هذه السياسات مجتمعة أثمرت ثمارا طيبة للغاية فزاد إنتاج الغلال والفواكه والحبوب وغيرها من المنتجات الزراعية الأساسية التي كانت تلبي حاجيات سكان الدولة الوليدة وكذلك تصدر للسوق العالمية عبر طرق تجارية مشهورة حين ذاك كنهر النيل وطريق القوافل البرية الشهير المعروف باسم طريق الحرير.
ثانياً، برزت أهمية قطاع الصناعة بصورة واضحة خلال تلك الحقبة التاريخية نظراً لوجود خامات طبيعية وفيرة كالحديد والخامات المعدنية الأخرى والتي استغلّتها الدولة الأموية لإقامة مصانع ضخمة قام بها حرفيون ماهرون ومتخصصون؛ حيث انتشرت العديدُ من المصانع المتخصصة بإنتاج الملابس والأواني والأسلحة والدروع وغيرها الكثير مُستخدمَة تقنيات مبتكرة للجودة والفخامة. فقد اشتهر بعض المدن بالمعادن ومن بينها دمشق ودمشق عاصمة الدولة الأموية وما حولها من مدن كالمدائن والكوفة والبصرة التي اشتهرت جميعها بأنواع مختلفة من الصناعات اليدوية التقليدية. كذلك ظهرت مهنة جديدة وهي الطباعة لأول مرة داخل العالم الإسلامي وذلك عندما أمر عبد الملك بن مروان أحد خلفائه بحفر الأحرف العربية على لوح نحاسي بهدف طباعة نسخ عديدة من القرآن الكريم مما ساعد كثيرا فيما بعد في انتشار تعليم الدين الاسلامي وحفظ كتاب الله عز وجل.
وفيما يخص الجانب التجاري، اعتبرت الفترة الاموية مرحلة انتقالية نحو عالم أكثر انفتاحاً والتزاماً بالتبادلية التجارية الدولية مستخدمة شبكة واسعة للتجارة البحرية تربط بين الشرق الأوسط وغرب آسيا وانتهاءً بشمال إفريقيا بالمغرب العربي وسواحل الأندلس الأوروبيين، وهذا ما جعل تجارتها تتطور ويترقى بذلك وضعها السياسي والاقتصادي مقارنة بما قبل مجيء الحكم الاموي بشكل ملحوظ جداً. وكان لهذه الشبكات تأثير مضاعف إذ عملت أيضا كمحاور رئيسية لنقل الثقافات والمعارف وتسهيل حركة الأفكار والعلم والعادات الاجتماعية والثقافية الغنية المتنوعة بين مختلف مناطق الدولتين القديمة والجزر النائية البكر آنذاك. لذلك نجد كثيرًا ممن عملوا ضمن جهاز البيروقراطية الحكومية هم ذوو جنسيات متنوعة منهم اليوناني والروماني والسرياني والروم والمسيحيين والقبط وغيرهم الذين كانوا يعملون جنباً إلى جنب تحت راية واحدة هي راية دولة الخلافة الإسلامية الموحدة تحت قيادة السلطة المركزية للدولة الاموية واستقرار الأمن والاستقرار العام لسكانها المختلفين معتقدياً ولغات وعوامل اجتماعية ثقافية أخرى متنوعة.
وبذلك شكلت النهضة الاقتصادية الكبيرة للعصر الأموي أرضاً خصبة للتقدم العلمي والفكري لاحقا وكذا نهوض الرقي الاجتماعي