الفرق بين الكرامة والولاية: نظرةٌ عميقةٌ في عالم الصوفية

يتمحور الحديث هنا حول مفاهيم ربانية بارزة تلازمت عبر التاريخ الإسلامي؛ وهي مفهومي "الكرامة" و"الولاية". تتمثل الكرامة في فعل خارق للطبيعة يقوم به ولي

يتمحور الحديث هنا حول مفاهيم ربانية بارزة تلازمت عبر التاريخ الإسلامي؛ وهي مفهومي "الكرامة" و"الولاية". تتمثل الكرامة في فعل خارق للطبيعة يقوم به ولي لله سبحانه وتعالى ليثبت تواجد رحمته وعظمته. وعليه فإن تعريف الكرامة بحسب العديد من العلماء مثل ابن الوزير وابن تيمية أنه عمل عجيب خارج عن المعتاد يتميز بعدم ارتباطه بنبوة شخص بذاته ولكنه يأتي كتأكيد على قوة إيمان هذا الشخص وحسن نيّاته نحو الله ودينه. كما تؤكد بعض الروايات الإسلامية وجود علاقة وثيقة تربط بين ظهور علامات الكرامات واستقامة حياة المرء وطاعته الحسنة. وقد ذكر الشيخ محمد الغزالي في كتابه "معارج القبول"، خمسة أمثلة مشهورة لكرامات الأولياء تضمنت استجابة دعائهم وإعطائهم ملكوت الأشجار والحيوانات وغيرها مما يشهد برحمته ولطفه بهم.

وبالنسبة لمفهوم الولاية فهي مصطلح يشير غالبًا إلى حالة خاصة من التقوى والإخلاص الديني. يعرفها أبو حامد الغزالي بأنها مقام مرتفع يصعب الوصول إليه إلا لمن عاش حياته حسب منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان تسامحه واحتماله جزء أساسي من شريعته. وينوه أيضًا إلي دور الخوف والعبد في شخصية الولي والذي يلعب دوراً محورياً في تحقيق تماسكه الداخلي وتمسكه بالإيمان. وهذا يؤدي بدوره لتغير نظرته للحياة وتحويل اهتماماته بشكل متدرّج تجاه رضا الرب والأعمال الصالحة.

وعلى الرغم من التشابه الظاهر بين الكرامة والمعجزات الواردة ضمن أحاديث المصطفى فهو واضح جداً الاختلاف الجوهري بينهما عند التحليل التفصيلي لكل واحدةٍ منهما بما يلي:

  • تتعلق المعجزة بالنبي بينما تعتبر الكرامة حدث خاص يحدث فقط للأولياء والصالحين وقد تصبح جنسه محل جدل إذا ادعى صاحب تلك الخاصية النبوّة وانتهى الأمر بفقدان وزنه لدى الأتباع.
  • القدرة المتكررة للمعجزات تحت مظلة إرشادية واضحة تأتي مقابل عدم قدرة الواحد وأصحاب الكرامة على إعادة الحدث نفسه مرّة أخرى.
  • تعود جذور منح الكرامة للإيمان الراسخ والقوي لدي ولي الله والتي تعد وسيلة للتعبيرعن تقديس كيان الرائي فيما تعارض هذه الرؤية الطبيعية الخاصة بالأحداث المرتبطة بالسحر والشرك وما شاكل لذلك مما ينافي عقائد المسلمين السليمة.

ختاما، لقد ركز القرآن الكريم بسطوره الأولى منذ بداية نزوله على أهميته توضيح خطوط فاصلة دقيقة ومميزة للفريق المستحق للسعادة والفئة المقتربة للغضب بطريقة مبتكرة تُظهر مدى حسن تدبير الباري جل وعلى وفق حكمته المقدسة . إن إدراك حقائق هاتين المفاهيم مهماً لإدراك طبيعتها المنفصلة ومعرفة قيمة قدرات الأفراد المختلفين بمختلف ظروفهم وكيفية تأثير حالتهم الاجتماعية والنفسية عليهم وعلى الآخرين أيضا وهذه إحدى الأدوات المساعدة لفهم شامل للعلاقة الوثيقة الموجودة داخل المجتمع الإسلامي المبني أساساً على تقوى وصلاح أهل الأرض جميعا ابتداء بآدم عليه السلام وانتهاء بكافة البشر بلا مزيد تفاضل باستثناء عبادة واحد الحق ذو الجلال والإكرام.


الفقيه أبو محمد

17997 مدونة المشاركات

التعليقات