الإسلام دين الوسطية والاعتدال، ويحث المؤمنين على اتباع منهج حياة متوازن فيما يتعلق بالنفقات المالية. فقد حرص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على تحذير المسلمين من خطر الإسراف والبخل، وكشف الضرر الواقع عليهم وعلى مجتمعاتهم نتيجة لتلك التصرفات المتطرفة. ومن هنا سنتناول أهم آثار ومآلات هذا النهج المضلل.
الإسراف... عقوبة الهلاك وضياع البركة
يشير مصطلح "الإسراف" إلى بذل المال بلا حدود ولا ضرورة، مما يعد انتهاكا لحكم الله في كونه خالق جميع الخلق ورجل أعمال عباده. فالقرآن الكريم يقول: "ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين"، مؤكدًا رفض الرب الأعلى لمثل تلك التصرفات التي تضيع ثمار العمل وتحرم صاحبها بركات رزقه (الأعراف: ٣١). وليس الأمر مجرد حرمان من رضا رب العالمين فقط، لكن تداعيات ذلك تمتد لتحويل الإنسان إلى عبد للقوت اليومي بدلا من كونه سيد نفسه وملكه. فأهل الإسراف هم الأكثر عرضة للشعور المستمر بالضعف والجوع الداخلي بسبب عدم رضاهم عمّا لديهم دائمًا. فضلا عن ذلك فإن تراكم الأمراض الجسدية والنفسية سيصبح ظاهرة لهم حيث يقودهم تفريطهم لإصابة قلبهم بالعقم وانعدام المرونة الذهنية اللازمة للتطور والفهم السليم للأشياء حولهم. لذلك ستكون المجتمعات التي يغلب عليها الطابع الاستهلاكي عرضة للاستهلاك السلبي وغير المنتج مما يؤدي بصاحب هذه الحالة الإنسانية المرضية ليعتمد اعتمادا كاملا على الآخرين لقضاء احتياجاته الشخصية.
البخل... سجن نفسي ومعاناة اجتماعية مستدامة
البخل هو نقيض الإسراف تمامًا لأنه عبارة عن جريرة الاقتصاد بدون وجه حق أو استجابة لدعوة الحق وما ينظمه نظام الحياة الطبيعي المعقول. فكما جاء في الحديث القدسي:"إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنع صدقاتهن، ووأد البنات...". فهذه الطبائع الخبيثة تنذر بكفر العباد وخروجهم عن حقيقة إيمانهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"إنَّ الرِّياءَ شِركٌ". علاوة على ما سبق ذكره بأنه معاقبة إلهية وعذاب آخروي محتوم لكل بخيل حسب قوله جل وعز:{لعن المنافقين ومن شاكلهم}. بالإضافة لما تقدم فهو أيضا مصدرا مباشرا للإضرار بمحيط الشخص نفسه داخل مجموعته الاجتماعية. فعندما يجحد الشخص حقوق الفقراء والمستحقين للنعم، يعكس هذا تصورا مشوها لجوانب كثيرة بالحياة البشرية مثل تقديم المساعدة والثواب الجزائي مقابل الأعمال الخيرية إذ يشعر غياب هؤلاء الأشخاص بأن جهودهم التقشفية هدر مطلق وتعرضهم للسخط العام واستحقاق المواجهة الاجتماعية المثيرة للاشمئزاز والنفرة منهم بغض النظر عن مدى مواهبهم ونبل أخلاق أخرى تتسم بها شخصيتهم.
الاعتدال.. مفتاح البركة والاستقرار الاجتماعي
والخلاصة أن الإسلام يدعو إلى طريقة مستقيمة تسمى "بالقسطاس المستقيم" توضح لنا كيفية تحقيق الظروف الصحية التي تضمن تماسك الصحة العامة للمجتمع وتمكين الجميع بعدالة وشفافية ضمن بيئة تكافلية مبنية على الحب والتسامح والأفعال الحميدة كافة بما فيها صرف الزكاة والكفارات وغيرها الكثير والتي تؤدي بالتأكيد لفلاح دنيا ودين لاحقا بإذن الواحد القهار. فعلينا إدراك مغزى وجودنا بالموازين التالية:[ "ألَّا تَعلَم نفسٌ ما أخْفى لَهُم حتّى تَظهر لكم" ] [ الأنعام : 59 ]. فلابد وأن ندقق حساباتنا باستمرار باتجاه ترشيد نفقاتنا ومكاسبنا بشكل منتظم للحفاظ علي مكانتنا أمام ذاتنا أولًا ثم خلفائنا وثالثا أمام سلطتنا الروحية تجاه مخلقاتها التي رزقنا الله عز وجل رؤيتها وصونها قدر المستطاع دون مغالاة أو تقصير أبدا.