في سياق التفكر في عظمت الخالق وحكمته التي تجلت في كل مخلوقاته، ينصرف الأذهان نحو فهم الغاية من وجود بعض الأنواع الحيوانية مثل الخنزير. رغم التحريم الشرعي لتناوله، إلا أنه يمكن الوقوف عند تفسير بعض العلماء للحكمة من ابتلاء البشر بهذا النوع تحديداً.
وفق التعاليم الإسلامية، فإن تأويل الأحكام الدينية غالبًا ما يكشف عنه القرآن والسنة النبوية مباشرةً، وهو الأمر الذي حدث بالفعل بشأن تغيير اتجاه الكعبة مثلاً (كما ذكر النص). وفي حالات أخرى، قد يقدم علماء الدين اجتهادات مستندة إلى الروابط المنطقية والأسباب الظاهرة والمصلحة العامة. وعلى الرغم من كون هذه الاجتهادات ذات طابع احتمالي وقد تتضمن الخطأ أو الخطأ الفادح، إلا أنها تبقى محكومة بإطار إيماني مطلق يقينه بأن جميع تصرفات الرب العزيز حكيمة ومتوافقة تمامًا مع علمه القدسي وقدرته المطلقة.
إن الحديث حول الحكمة التنفيذية لتحريم تناول لحوم الخنازير يعد جزءًا أساسيًا لهذه المعادلة. إذ يشير العديد ممن أجازوا البحث العلمي لإثبات الأدلة المتعلقة بالبديع والخلاق إلى ضرورة الأخذ بمراعاة تأثير الطعام والتغذية على الصحة الإنسانية نظرًا لما ورد في الآيات القرآنية نفسها مؤكدًا أهميتها "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا". بالإضافة لذلك، فقد وثقت الدراسات الحديثة واقع الضرر البيولوجي المرتبط بتناول اللحم هذا بالنظر للعمليات الغذائية ومسببات الأمراض الوراثية وغيرها الكثير مما ترتبت عليه آثار ضارة بصحة المرء وعافيته طول مداه الزمني.
ويبرز هنا مساحة واسعة للتساؤلات والاسترسال المعرفي حول مدى ارتباط تلك الحقائق المبينة بالاكتشافات الطبية والإحصائيات الصحية اليوم بالأفعال الإرشادية الربانية منذ بدايات التاريخ الإنساني الأولى والتي كانت تهدف أساسًا لصيانة الحياة والحفاظ عليها داخل المجتمع المسلم خاصة وخارج حدود دولة المسلمين عموما وفق رؤية متكاملة وشاملة لرعاية مصالح فرد وسائر الأفراد مجتمعيًا فرديًا كذلك. إن هذه المقاربة تلقي الضوء بشكل جديد وفريد على علاقة فعلية بين النظر الطبي والفلسفة الدينية تفسر بدقة وتعكس جمال قدرة خالق الوجود سبحانه وكرمه بخلق نظام عالم حي يتميز بالترابط المثمر والذي يعرض صورة واضحة جامعة لكل جوانبه المختلفة تحت سقف واحد موحد هو عبادة واحتفاء بالحكيم العليم جل شأنه .