تعد الآيات الأولى عشرة من سورة عبس رحلة تعليمية رائعة حول جوهر الدعوة الإسلامية، والتواضع أمام الله تعالى، واحترام جميع البشر بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو نمط حياتهم. تبدأ القصة بتلاقي النبي صلى الله عليه وسلم مع شخصيات بارزة من قريش، وهو ما يعكس حرصه الكبير على هدايتهم للإسلام. لكن عندما ظهر ابن عم مكتوم، رجل مسكين ومريض بالعمى، انشغل النبي قليلاً بمتابعة الحديث مع هؤلاء القادة، الأمر الذي أدى إلى عبسه ابتساماً فيه رفض ضمني لرجل محتاج للحكمة والمعرفة الدينية.
لكن رد فعل الله عز وجل كان مؤثرا جدا. لم يكن انتقادا مباشرا للنبي بل كانت محاولة لتذكيره بأن كل فرد لديه القدرة والفرصة للاعتناق والإصلاح الروحي. "وما يدريك لعله يزكى"، قال القرآن، مشيرا إلى احتمال كبير بأن هذا الشخص البسيط قد يستجيب للداعي وقد تنفع منه الذكرى. هنا يتم التأكيد على قاعدة مهمة في الإسلام: رعاية المتوسطات والمستضعفين الذين يحتاجون أكثر لكل يد مساعدة أو كلمة حكيمة.
ثم تستمر الآيات لتحكي لنا قصة أخرى -شخص آخر مجتهد ومخلص يبحث عن الحقيقة ولكنه أيضا تم تجاهله بسبب الانشغال بالحوار الطويل مع الآخرين الأكبر حجما. وهنا يكمن التحذير من الاسترسال المفرط في التواصل مع الأشخاص الأقوياء حتى لو كانوا بعيدين عن الطريق المستقيم بدلا من التركيز على أولئك الأكثر حاجة ودافعاً للاستماع والبناء الروحي.
وتختتم الآيات برسالتين أخيرتين تحملتا عبرتين عميقة للتجارب الإنسانية:
- مسؤولية الدعاة المسلمين لإيصال الرسائل للجميع بدون تفريق طبقي أو اجتماعي.
- فضيلة الإحسان لمن ضاق بهم الوقت أو قصرت منهم حقوقهم سابقا.
ويمكن رؤية توضيحية لهذه الأخلاق الأخلاقية النقية عند اختيار النبي نفسه لحكم مدينة المنامة أثناء الغزو-إشارة واضحة لقيمته الذاتية وحاجة مجتمعه إليه وليس فقط مكانه السياسي التقليدي.
هذه القصص ليست مجرد سرد تاريخي إنما هي دروس عملية للأجيال اللاحقة, تدعونا لاستخدام وقتنا بحكمة وعدم نسيان أولئك الذين قد لا يحملون النفوذ الظاهر لكن قلوبهم مليئة بالأمل والحاجة والحضور الحقيقي للقلب .