كان الإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري شخصية بارزة في التاريخ الإسلامي، يعتبر من رواد علم الفقه والتفسير. وُلد حوالي عام 712 ميلادي في قرية ثور الواقعة بين البصرة والكوفة بالعراق القديم. نشأ سفيان وسط بيئة دينية وثقافية غنية، مما شكل توجهاته المبكرة نحو دراسة العلوم الشرعية.
بدأ رحلته العلمية منذ نعومة أظافره بإتقانه لتلاوة القرآن الكريم تحت يد الشيخ حماد بن أبي سليمان الأنصاري. بعد ذلك اتجه إلى تعلم الحديث النبوي الشريف ومعانيه، فدرس عند كبار علماء زمانه مثل عطاء الخراساني ومجاهد بن جبر والمغيرة بن مقرن وغيرهم الكثير. كما اشتهر بسعيه المتواصل للحصول على المعرفة، فقد قام برحلات طويلة ليلتقي بالعلماء ويستمع لهم حتى وصل عدد رحلاته العلمية إلى أكثر من تسعين مرة خارج وطنه الأم.
اشتهر سفيان بمواقفه الصارمة تجاه الخطيئة والمعاصي، وكان معروفاً بحبه للزهد والصبر والثبات على الحق. وقد أثرت هذه القيم الشخصية عليه وعلى نهجه التعليمي فأصبح نموذجا يحتذى به لكل طالب معرفة وفهم دين الله. كان لسفيان تأثير كبير على مجريات الفكر الديني والفقهي آنذاك؛ فهو صاحب أول مدرسة متخصصة لدراسة علوم الدين في مدينة البصرة. ومن أهم مؤلفاته كتاب "الجامع الكبير"، وهو مصنف شامل للمباحث الفقهية المعتمدة حينئذٍ حسب رأي كافة الأئمة الآخرين أيضًا.
توفي الإمام سفيان سنة ١٨٠ هجري الموافق لعام ٧٩٦ م تاركا خلفه إرثا هائلا من المؤلفات والأعمال الفقهية التي ما زالت مرجعا أساسيا لمن يريد فهم أحكام الشريعة الإسلامية بشكل صحيح. إن حياة وتعليمات هذا العالم الجليل تشكل مصدر إلهام مستمر للأجيال اللاحقة ممن يرغبون في التقرب أكثر من رب العالمين عبر تحصيل معارف تحترم تعاليم الكتاب والسنة المطهرة.