في إطار الحديث حول أحكام الطلاق في الإسلام، نستعرض في هذا المقال تفاصيل دقيقة تتعلق بحالة "عدة" المرأة المطلقة. هذه الفترة محددة شرعاً وتعتبر جزءاً أساسياً من النظام القانوني والتوجيه الروحي للمسلمين. تُقسم فترة العدة إلى ثلاثة أقسام رئيسية بناءً على حالة الزوجية قبل الطلاق؛ وهي عدّة البائن للرجعة، وعدة المتوفى عنها زوجها، وعدة المطلق ثلاث مرات (البائنة).
1. عدّة البائن للرجعة (الطلاق الرجعي)
إذا طلق الرجل زوجته طلقة واحدة أو اثنتين وبقي حق الرجوع متاحاً خلال تلك الفترة، فإن عدتها هي الحيض إذا كانت ذات حيض. فإذا لم تكن حائضاً لبلوغ سن اليأس مثلاً، فهي تعتبر كاملة حتى انقضاء ثلاثة أشهر وعشرة أيام منذ تاريخ الطلقة الأخيرة. الهدف من هذه العدة هو منح الأبوين فرصة لإعادة النظر وإنهاء الأمر بطريقة أكثر انسجاماً مع القيم الدينية والأخلاقية.
2. عدّة المتوفى عنها زوجها
بالنسبة للمرأة التي توفي عنها زوجها، فتكون عدتها مدة أربع أشهر وعشرة أيام من تاريخ وفاة الزوج. وهذا الحكم مستمد من الآية القرآنية: {وَأُولاتُ الأحمالِ أَجَلٌ هُنَّ أَن يضعن ما فِي أَبْطونه} [الأحزاب:4]. هنا يُمنح الجنين الفرصة الكافية للحياة خارج الرحم، بينما تعيش الأم فترة التأثر النفسي والجسدي الناتجة عن الفقدان.
3. عدّة المطلق ثلاث مرات (البائنة)
أما بالنسبة للمطلق ثلاث مرات -أي الذي فقد جميع حقوق الرجوع- فلا تعد لها إلا انتهاء الحيض إن كانت ذات حيض. ويتم حساب ذلك حسب آخر طلقة حصلت فيها على طهر واستمراره لأكثر من سبعة أيام بدون نزيف جديد. أما لو كانت قد بلغت سن اليأس ولم تعد تنزل الدم، فعندئذٍ تكون العدّة مكتملة بإتمام مدة ثلاثة شهور فقط. يسمح هذا التمييز الشرعي بتنظيم العلاقات الاجتماعية الجديدة ضمن حدود واضحة ودقيقة بما يحقق مصلحة الجميع.
إن نظام العدة كما جاء في التشريع الإسلامي له دلالاته المهمة اجتماعياً ونفسياً واجتماعياً؛ فهو وسيلة لحماية الأعراض وحفظ الحقوق وحفظ للأرحام أيضاً، فضلا عن كونه تنظيماً شاملاً للأوضاع المستقبلية لكل طرف بعد الانفصال المؤقت أو النهائي بينهما. وفي كل حال، فالعدل والمساواة هما الأساس الذي بنيت عليه أحكام الطلاق والعِدّات في ديننا الحنيف.
