تعتبر سورة الحج واحدة من سور القرآن الكريم التي تحمل رسائل ومعاني عميقة حول حياة المسلمين وتوجيههم نحو الخير والصلاح. وفي هذا السياق، نجد آية "الذين يلمزون المطوعين"، والتي تشير إلى مجموعة معينة من الأشخاص الذين كانوا يؤذون أولئك الذين يقومون بالأعمال الصالحة ويبتعدون عن الباطل. هذه الآية لها أهميتها الخاصة لأنها تعكس القيم الإسلامية المتعلقة بالاحترام والتسامح تجاه الآخرين حتى وإن اختلفت طرقتهم للحياة.
نزلت هذه الآية المباركة في سياق تاريخي محدد يعود إلى فترة الدعوة الإسلامية المبكرة عندما كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يدعو قومه للإسلام ويدعو لهم ترك عبادة الأوثان والعودة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى. كانت هناك فئة من الناس - تعرف باسم "المنافقين" - ممن كانوا يظهرون الإسلام ويلبسونه زيفاً، لكن قلوبهم مليئة بالكفر والكراهية. وكانوا يستخدمون أساليب مختلفة لإزعاج المؤمنين ومن بين تلك الأساليب التنقيص من مكانة أولئك الذين يحافظون على الصلاة وينفقون الأموال في سبيل نشر الدين الحق.
كانت سياسة المنافقين تتمثل في التقليل من قدر هؤلاء المجتهدين والمخلصين، وذلك عبر اللكمة والنقد اللاذع والمعاملة السيئة بهدف صرف التركيز عن دعوة النبي ودفع الشعب العربي إلى الاستمرار في طريق الشرك والعصيان. وردا على ذلك، حذر القرآن الكريم بشكل مباشر: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]. وهذه الآيات تؤكد موقف الله تعالى ضد الخداع والنفاق الداخلي الذي قد يسري ضمن المجتمع المسلم نفسه.
في ظل هذه البيئة المضطربة، جاءت آية "الذين يلمزون المطوعين" لتسلط الضوء على خطر عدم التعامل بحكمة وحسن خلق مع المختلفين دينياً وأخلاقيًا. تنصح الآية بأن الإنسان ينبغي له أن يبقى وفياً لرسالته الدينية وأن يجتنب الوقوع في الفخاخ التي نصبها المنافقون. إنها تحدِّث عن ضرورة التحلي بالإصرار والثبات أمام المصاعب والتحديات أثناء القيام بالنوافل والإلتزام بالعبادات الأخرى بالإضافة إلى الفرائض الأساسية للدين الإسلامي.
ومن الجدير ذكره أن مفهوم "الإلمام" هنا يشير ليس فقط لألفاظ العداء الظاهرة ولكن أيضًا للأفعال غير الصحيحة مثل التجاهل وعدم التعاون مع هؤلاء الأشخاص المؤثرين بإيجابياتهم وسلوكياتهم الحميدة داخل مجتمعاتنا المحلية والدولية اليوم أيضاً؛ مما يعني توسيع دائرة المعنى للموضوع لينطبق علينا جميعًا كمؤمنين ملتزمين بتعاليم الحنيفية السمحاء بغض النظر عن الاختلافات الزمانية والمكانية المختلفة. إن فهم سبب نزول كل آية وما تحتويه من توجيهات عملية مهم جدا لفهم روحانية النصوص الغراء واستثمار علومهما لدعم تماسك الجماعات الإنسانية وتحقيق السلام العالمي المنشود عبر تبني منهج الحق والإستقامة كما رسم لنا رسول الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين.