تعدّ سورة المطففين أول سور القرآن الواردة في المدينة المنورة، وهي تمثل نقطة تحوّل هامة في تاريخ الإسلام. وقد أطلق العلماء مصطلحي "القُرآن المكي" و"القُرآن المدني" لتسهيل تصنيف الآيات حسب توقيتها التاريخي خلال مرحلة دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
يعتمد أساس تقسيم المصطلح على الزمان أكثر منه على الموقع الجغرافي، إذ يرتبط القُرآن المكي بما نزل قبل هجرة الرسول إلى المدينة، بينما يشير القُرآن المدني لما جاء بعد هذه الفترة حتى وفاة النبي. وهذا التقسيم له أهميته الفائقة لفهم جوانب متعددة مثل النازلة، وجوانب النسخ والإلغاء، بالإضافة إلى معرفة تفاصيل تشريعات الدين وفصوله المختلفة.
يمكننا تتبع بعض السمات المشتركة لكل قسم من الأقسامتين: تتميز الآيات المكية بسلاسة تعبيرها مع تركيز كبير على التحدي والعظائم الإلهية ودلائلها الطبيعية والفكرية. كما أنها مليئة بتوضيح مفاهيم توحيد الله عز وجل وتعزيز إيمان المؤمنين بها عبر مخاطبة البشر بشكل عام ("يا أيها الناس") أو الإنسانية برمتها ("يا بني آدم"). غالبًا ما تبدأ تلك السور بحروف مقطعة، وترتفع نسبة الحديث حول الصبر والنصح ضد عبادة الأصنام.
على الجانب الآخر، يظهر تأثير حياة المدينة وصراع المسلمين المبكر مع قوى خارجية عدائية وظروف اجتماعية جديدة بصورة واضحة في مواضيع القرأن المديني. تتضمن هذه المواضيع المعارك والدفاع عن النفس والقضايا الاقتصادية والمالية وعلاقات المجتمع الداخلي والخارجي. بالإضافة لذلك، يتم استخدام عبارة "يا أيها الذين آمنوا" بكثافة لتمثيل ارتباط النص بالمؤمنين تحديداً داخل المجتمع المسلم آنذاك. تطول مدة كل آية هنا عما كانت مستخدمة سابقَا وتم التركيز بشدة علي أحوال الحرب والسلام والحفاظ علي العقيدة الإسلامية امام الفتن الخارجية.
وفي نهاية الأمر فإن عادة تنظيم وحفظ القرآن وفق التسلسل الزمني لنزوله قد ساعد كثيرا في رسم خارطة رحلة الإسلام منذ نشأة الدعوة وحتى استقرار الدولة المحمدية الأولى مما يفسر سبب ركز اهتمام الكثيرون بدراسته وتحليل مضامينه المكثفة.