في رحاب الدين الإسلامي، تحتل "العزة" مكانة مرموقة باعتبارها أحد أهم القيم الأخلاقية والدينية. إنها ليست مجرد حالة مادية يمكن قياسها بالمظاهر الخارجية مثل الثروة أو المكانة الاجتماعية، ولكنها قيمة روحانية تنبع من التحرر الحقيقي والإيمان العميق بالله سبحانه وتعالى. تتجسد هذه العزة في اتباع هدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتمسك المرء بالعقيدة الصافية، مما يؤدي إلى تجنب الانغماس في الشهوات الشخصية والمحسوبيات البشرية.
وقد عبر الخليفة الثاني للفاروق عمر بن الخطاب رضوان الله عليه عن هذا المفهوم بشكل رائع حين قال: "نحن قوم عزنا الله بالإسلام، فإن ابغينا غير الإسلام ديناً ذلنا". فهذه العزة التي تميز بها المسلمون هي حصيلة انتمائهم للإسلام ودفاعهم المستمر عن عقيدتهم بالقلب والكبد إن استوجب الأمر التضحية بالنفس. ينأى الإسلام بمفهوماته عن المقاييس الزائلة للعظمة والتي ترتكز غالباً على الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي، مؤكداً أنها مكمن ضعف وليس قوة. بل إنه يدعو المؤمن للاتصال مباشرة بخالق الأكوان الواحد القادر، مستمداً منه عزته وقوته وهمة نفسه لإعلاء كلمة الحق والدفع عن النفس ضد شرور الحياة وزلات الشيطان.
ويعلن القرآن الكريم بصراحة أن المصدر الوحيد لهذه العزة الربانية يكمن فيما تفضل به الله جل وعلا لعباده مختاريه. فعندما يريد الله تأييد شخص ما وتكريمه، فهو قادر على تسخير كافة الوسائل لتحقيق ذلك، كتوفير البأس والشجاعة والحكمة والحلفاء الأقوياء وسلطات النفوذ وغيرها من ذخائر البطولة الروحية والجسدية. ويعكس الآية القرانية التالية هذا التصريح الملكوتي لعلو قدرة الباري عز وجل:"ومن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً."([1])
وفي معرض توضيح مظاهر بروز علاماتها وتأكيداتها العملية، يجدر بنا الاستشهاد بالتاريخ الإسلامي المبكر واستخلاص درس راسخ من شخصية رابعي بن عامر رضوان الله عنه. فقد نجح بشخصيته متواضعة ذات لباس بسيط وفطنة عالية في التأثير بإيجابية خلال اجتماعه مع حاكم فارس الكبير آنذاك رستم فرخزاد. وفي مواجهتها البطولية المشرفة لمثل ذاك المناضل الأمين أمام خصومه، برهن ثقتَه الراسخة بوعد مولاه الغافر. وصرح بثقة مطمئنه نيابةً عن أمته بأن جزاءالمنتصر منهم سيكون دخول جنات الفردوس بينما سينعم الناجون بسعادة الانتصار. وقد أتت مفاجأة للحاكم العالمي حين علم أن هؤلاء الرجال الذين واجهوه هم مجموعة صغيرة بلا امتيازات سياسية فرضت عليهم مهاجمة السلطة المركزية للدولة البيزنطية سابقاً وانتشار الدعوة الجديدة وسط شعوب المنطقة الشرقية بتوجه هامس مهدد لكنه يقصد حقائق روحية سامية تغزو المجتمعات الأرضية بكامل تقبل مفتوح قلوب قادتها الفكرية والمعرفية .
وبهذه الطريقة النموذجية تزدان حياة المسلمين بالأصالة والشموخ والعزة الالهية. فإذا أحسن الإنسان الظن بربه ووطن نفسه على طاعته واتبع خطانا رسوله الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وانفتح قلبُه لاستقبال حكمته وإرشاداته الربانيه, عندها سوف يحقق نشوته الخاصة بالحياة الهانئة المهيبة وهي أساس سعادتنا وجلب معروف الضمير والخير الدنيوي والأجل الأعلى نعمة وجنات دائمية ترضى خواطر العارفين وغاية مثالي لهم جميعا جماعة السالكين للحق والسعي نحو محبتــه سبحانه والاستكانة لحكم صفائه المطهر لكل ظلام القلب والروح التي تضيئه وارادات نور نوره المقدس مهما بلغ مدي انطفائها وطول ازولامها بسبب ردود افعال واباطيل زيف الآخرين حول العالم الا انه كما قال نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم "أنصح لكم كتاب ربكم..." [2].
[1] الكهف :110
[2] الحديث حسب الترمذي ، باب فضائل سور القرآن