يتجلّى جانب مهم من عبادات الإسلام في سجود الشكر والتلاوة، اللذَين هما نوعان مختلفان للسجود رغم التشابه الظاهري. في حين يتم سجود التلاوة تعبيرًا عن الخشوع والتواضع أمام الآيات المقدسة خلال قراءة القرآن الكريم، فإن سجود الشكر يأتي كنذر تقدير لهدايا القدرة الإلهية سواء كانت نعم مكرمة أم نجوت نكبة محتمَلة. ويبقى تحديد السياقات الدقيقة لكلا النوعين والسلوك المرتبط بها أمرًا بالغ الأهمية لكل مسلم يرغب في أداء عبادة كاملة ومستوفاة للشروط الشرعية.
في البدء، يعتبر سجود التلاوة شرعا مستحبًا حسب جمهور الفقهاء، بينما يراه الحنفية فريضة. وعلى الرغم من أنه ليس فرض عين إلا أنه جزء هام من الشعائر الإسلامية التي تدل على الحب والإخلاص لنصوص الوحي المنزل. أما بالنسبة لأحكام الطهارة، فهي غير ملزمة لسجود التلاوة وفق بعض المدارس الفقهية معتبرة أنها ليست صلاة بمعنى التقيد بشروطها كالصلاة المفروضة. ومع ذلك، يجيز آخرون شرط الطهارة كون هذه السجدة مشابهة للصلوات الأخرى بشكل ما.
وبالرغم من الاختلاف حول ضرورة تحقق شروط معينة كتطهير الجسم واستقبال جهة القبلة وغيرها قبل الانخراط بسجود التلاوة، إلا أنه بالإجماع تسليم الجملة بصحة القيام بهذا العمل المنفرد خارج وقت وجوب إحدى الفرائض. ومع مرور الوقت قد يفقد الشخص قدرته المؤقتة على تأديته فعليا ولكنه بإمكانه دائماً التعويض عنه لاحقا إن قرر فعل ذلك متوجها نحو هدف صحته الروحية والمعنوية.
ومن ناحيته الآخر، عُرف أيضًا باسم "سجدتان" أو "تسبيحات"، يعد سجود الشكر اجتهادا فرديا يقوم به الأفراد لإحداث توازن داخلي واعتراف بنعم رب العالمين المختلفة التي تنزل عليهم يوميا والتي غالبًا ما تكون نتيجة دعائهم السابق أو حسن أعمالهم المتعددة. ولا يوجد ترتيب مدروس لدعاء خاص لترديده خلال ادائه بل يمكن للمؤدي اختيار المرغوب منه بناء على ظرف وقوع الحدث المنتفع منه والذي يحرك فيه النفس الإنسانية شعورا عميق التأثر والفخر بتوفيق الزمان والمكان إليه -تعالى-. وهذا الأمر أكثر مرونة بكثير مما يستلزمه زميله الأصلح والأقدم أثرا في تاريخ العقيدة الاسلامية المبكرة.
ختاماً، وفي نهاية المطاف، تعد كلتا التصرفتين الدينية المهمتين عيد رفع مستوى روحاني ويظهر لحظة إيمانية نادرة وفريدة عندما يحتاج المصلي لاسترجاع ذاته وإعادة اكتشاف رابط وثيق بربه الأعلى ذات التقرب والشكر والثبات معه مهما اختلت ظروف الحياة بغلو وحسناتها بطرق مختلفة تمام الاختلاف ولكن جميعها ترضي الرب الرحيم الرحيم الرحيم!