في رحلة البحث العلمي والتأصيل الشرعي، غالبًا ما نجد أنفسنا أمام مسائل فقهية دقيقة تحتاج إلى اجتهادات مستحدثة لتفسير النصوص الدينية وترجمتها للواقع المعاصر. ولكن كيف يمكن لهذه الاجتهادات الجديدة أن تتفاعل مع تلك القديمة؟ هذا هو محور الحديث حول قاعدة "الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد". إن هذه القاعدة ليست مجرد تعليق بسيط بل هي تمثل نهجاً عميقاً في التفكير الفقهي الإسلامي.
تعني هذه القاعدة بكل بساطة أنه ليس كل اجتهاد جديد يقضي على سابقه ويستبدله. بدلاً من ذلك، فإن لكل جيل وفترة زمنية الحق في إعادة النظر في المواقف والأحكام بناءً على الظروف المتغيرة والمعارف المستحدثة. ومع ذلك، هذا لا يعني التساهل في الالتزام بالقوانين والنواميس السابقة؛ فهو يعتمد بدقة شديدة على حفظ الاحترام والاعتبار لجميع الآراء السابقة.
إذا كانت هناك زيادة في معرفة الحكمة الموجودة خلف حكم شرعي سابق، قد يؤدي ذلك إلى تغيير في الرأي بنفس الجهة التي كان فيها الحكم السابق صحيحاً وبنفس الشروط التي استند إليها حينذاك. لكن إذا حدث تغير جذري في ظروف الموضوع أو ظهر دليل لم يكن متاحاً عند الإصدار الأول للحكم، هنا فقط يجوز تعديل الأحكام وفقا للمعلومات الجديدة والمزيد من العلوم الإسلامية.
إن مبدأ الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد يدعو إلى الحوار المستمر والتنقيب عن الحقائق داخل المجتمع الإسلامي الواسع. إنه يشجع على الاستمرار في النمو والفهم والبحث، خاصة عندما يُواجه المسلمون تحديات وتغيرات تستدعي رؤية جديدة لحلولها. بالتالي، تحتفظ الأجيال المختلفة بإمكانيتها لإعادة تصور المناخ الاجتماعي والثقافي بطرق تحمل المعاني والقيم الأصلية للإسلام بشكل حيوي وملائم.
وفي نهاية المطاف، يعد هذا النهج جزء أساسي من الدين نفسه - وهو القدرة على التأمل والتفكر وإيجاد الحلول العملية لمشاكل الحياة اليومية ضمن إطار الأخلاق والعقائد الإسلامية .