في سلسلة الأمور الدينية والثقافية الغنية المرتبطة بمكة المكرمة, يأتي ماء زمزم كإحدى أهم البركات التي منحها الله لعباديه المؤمنين. يُعتبر هذا الماء - كما ورد في الحديث النبوي الشريف - مختلفاً ومميّزاً بكل المقاييس. التضلع من ماء زمزم ليس فقط عملية شرب بسيطة بل إنه تعبير عن الثقة العمياء بإرادة الله وبراعته.
"التضلع" هنا يشير إلى الامتلاء بالكامل، سواء كان ذلك بشرب كميات كبيرة حتى امتلاء المعدة أو حالة النفسانيّة والراحة القلبية التي يحققها الوضوء بهذا الماء المبارك. لم يذكر الرسول الكريم شيئاً حول وجود ضرر محتمل نتيجة لشرب الكثير منه؛ فهو نعمته الخاصة المستهدفة للشفاء والعون. لذلك فإن شرب ماء زمزم بصورة غزيرة مع التركيز على الرغبة في تحقيق الصحة والسعادة أمرٌ مستحب وغير مضر حسب معتقدات المسلمين.
بالإضافة إلى الجانب الجسدي، هناك بعد روحي كبير مرتبط بماء زمزم. وفقاً للتاريخ الإسلامي، يعود تاريخ ظهور هذه العين المائية الأولى إلى وقت إبراهيم وإسماعيل عندما أجابهما الله بتوفير الطعام والماء رغم الفقر والجوع المطلق الذي مرّوا به سابقاً. وهذا يدل بشكل عميق على وعد وثبات رحمة الله ونعمته للإنسانية جمعاء. وفي الوقت الحالي أيضاً، يبقى هذا المصدر المائي بلا انقطاع منذ عدة قرون مما يؤكد قوة وتوحيد القوة الإلهية.
وبالنسبة للدلالة المكانية، يمكن رصد موقع ماء زمزم بالقرب من الكعبة المشرفة داخل الحرم المكي مباشرةً. بطول حوالي ثلاثة عقود وعمق مشابه تقريبياً، تحتفظ هذه العين بنفس خصائص الماء الطبيعية مما جعل لها مكانة خاصة لدى الزوار والمعتمرين الذين يستخدمونه لأهداف متعددة بدءاً من الطهارة وصلوات الخمس وحتى العلاج الطبيعي والأعمال اليومية التقليدية مثل طبخ الأطعمة وشربها يومياً لما فيها من العديد من الفوائد الصحية للجسم والبصيرة الروحية للأرواح البشرية.
وفي الختام، إن تضلعكِ من ماء زمزم ليست مجرد عمل بدني ولكنها قضية روحانية تتعلق بالإيمان والقناعة بأن كل ما يحدث في الحياة يحدث بإذن الله وحكمته. إنها فرصة لإظهار الولاء لله والثقة الكاملة بأنه مصدر الخير الوحيد لكل مخلوقات الأرض.
