في سطور الوحي القرآنية الجليلات, نجد قصتين من أروع القصص التي تحمل بين طياتها معاني عظيمة ومواعظ سامية, هما قصتا الإسراء والمعراج. هاتان الرحلتان اللتان مرّ بهما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليلا, ليلا أقصر من ليل ولا نهارا تطول منه النهار, تشكلان محطة فارقة في تاريخ الإسلام وأمة المسلمين. هذه الرحلتان ليسا مجرد أحداث تاريخية, بل هما عبر روحانية عميقة ورسائل إلهية مهمة تنير طريق المؤمنين إلى الحق والخير.
تبدأ الرحلة المباركة بالإسراء, والذي يشير إلى سفر النبي محمد من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس الشريف خلال ليلة واحدة فقط. هذا الحدث العظيم يؤكد قدرة الله تعالى المطلق ويعزز فكرة ارتباط المسلم بكعبة الله الأولى - بيت المقدس - ويذكر بأن القدس مدينة مقدسة لعبادة الله عز وجل. كما أنه يعكس أهمية التواصل الروحي بين مكة والقدس في العقيدة الإسلامية.
بعد ذلك, تتواصل الليلة المباركة برحلة المعراج الثاقبة, حيث يرتقي النبي إلى أعلى درجات الفردوس الأعلى ثم ينزل مرة أخرى بنعمة رب العالمين. أثناء تلك الرحلة الاستثنائية, يتم منح النبي الصلاة المفروضة خمس مرات يومياً كتذكار لهذه الليلة الربانية. أما ما شهدته عيناه خلال المعراج فهو مشهد للهيئة البديعة لعظمة الخالق سبحانه وتعالى وحضور ملائكه المقربين كجبريل وإسرافيل وميكائيل عليهم السلام.
تعكس هذان المحوران الروحيان قوة إيمان الصحابة رضوان الله عليهم وثباتهم رغم تحديات قريش وعداوتهم للنبي الكريم. فهي دلالة واضحة على توفيق الله لنبيه ودعمه له, وعلى ثوابه الجزيل لتلك الأجيال المبكرة للأمة الإسلامية لما قدموه من تضحيات وتحملهم لأعباء الدعوة.
وفي النهاية, تجسد رحلة الإسراء والمعراج درساً عميقاً للمؤمنين حول عظم مقامات عبادة الله وطاعة رسوله, وهي دعوة للحفاظ على الاتصال بالقلب والتوجه نحو مصافي التقوى والاستقامة. إنها تحفة فنية من فنون التشريع الإلهي تستحق التأمل والتدبر لفهم العمق الديني والإنساني للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بشكل أفضل.