ولد أبو سليمان الداراني واسمه الحقيقي محمد بن عمرو بن علي بن عبد الله الداراني حوالي عام 125 هـ/742 م في مدينة دمشق العريقة. يُعتبر أحد كبار رواة الحديث النبوي وأحد أبرز علماء الدين الإسلامي في القرن الثاني الهجري. عُرف بالتفاني الكبير في طلب العلم والتزامه الشديد بالأخلاق الإسلامية التي تعلمها مباشرةً من الصحابة والتابعين.
كان لوالده دور مهم في تشكيل شخصية ابنِه المبكرة؛ فقد نشأ تحت رعايته وتوجيهه الصالح. بدأ دراسته الأولى للقرآن الكريم والحفاظ عليه وهو صغير السن فقط. ثم انتقل إلى مرحلة التعليم النظامية عندما التحق بمدرسة "دار الحكمة" الشهيرة لتلقي علوم الفقه والحديث والقراءات القرآنية وغير ذلك الكثير مما يخص المعرفة الإسلامية التقليدية آنذاك. وقد برزت موهبته الفائقة منذ تلك الفترة المبكرة حتى أصبح مصدراً ثقتياً للجرح والتعديل للحفاظ على أصالة الحديث النبوي الشريف وحفظ تعاليمه المحمدية الخالصة.
امتاز الشيخ أبو سليمان بشخصيته الإنسانية الرقيقة وطبعه الودود الذي انعكس تأثيره الواضح عبر تعاملاته اليومية مع الناس ومعاصريه بفقه متسامح وروح أخلاق حميدة جعلت منه قدوة حسنة لكل طالب علم وداعٍ للغفران والعفو والصفح ولطف التعاطي العام باتباع سيرته النبيلة المطمئنة للنفس البشرية المسلمة المواظبة على فعل الخير كما أمر الله سبحانه وتعالى.
ومن أشهر مؤلفاته كتاب "زاد المستقنع"، والذي يعد مرجعاً أساسياً لفهم مسائل الفقه المقارنة بين أهل السنة والجماعة وبقية الطوائف الأخرى داخل المجتمع السياسي والديني للدولة الأموية حينئذ، بما يعطي فكرة واضحة حول اتجاه تفكير العالم المُبدع فيما يتعلق بطبيعة الحدود الجغرافية السياسية الناشئة حديثا والتي أدت -لاحقا - لاستقلال العديد منها مستقبلاً خارج نطاق الإمبراطورية الرومانية الشرقية المعروفة باسم الدولة البيزنطية سابقا قبل ظهور دول جديدة مستقرة ذات سيادة شرعية رسمية خاصة بها بحكم حقائق الواقع المُرّ الذي فرض نفسه بدلاً عنها بالتدرج التدريجي لعوامل مختلفة أثرت تأثيرا مباشرا على التحولات التاريخية المؤثرة بشكل كبير خلال القرون التالية للأحداث الرئيسية المثيرة للتغيرات البنيوية الكبرى للمشرق العربي عامة والمشرق السوري خصوصا مقارنة بالمحيط الأوسع له جغرافيا وثقافيا أيضا.
بهذه القدرة الاستثنائية للشخصيات المجمع عليها محليا وإقليميا عالميا، ترك لنا هذا الرمز الرائع تراث هائلا من الحكم والنصائح القيمة بحق تستلهم قيمتها الأخلاقيات والكرامات الحميدة المنطلقة من جذور عقائد إسلام سياسي يحترم حرية الاختيار لكن يخضع لأوامر الشرع المطلق بتطبيق أحكام القرآن والسنة باعتبارهما مصدر التشريع الوحيد المعتبر لدى المسلمين كافة وليس ذو اعتبار جزئي موجه لمجموعة دون أخرى حسب وجهة نظر شخص ما مهما بلغ مستوى قدرته العقلي والفكري! وهكذا يبقى فضله محفوظا خالد دوام العمر ضمن صفوف عظماء الرجال الذين لهم مكانتهم الخاصة وسط مجالس العلم والمعرفة بجدارة واستحقاق ليس لها مثيل ولا نظير على مر الزمن القديم والحديث والمستقبل بإذن الله عز وجل وصلى الله وسلم على رسوله المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.