في رحاب الإسلام، يعد حادث تحويل القبلة أحد أهم المعالم التاريخية. حدث هذا الحدث الكبير في العام الهجري الثاني خلال فترة إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد هجرته المباركة. وقد استمرت حالة انتظار القرار الإلهي بشأن الوجهة الجديدة للصلاة لمدة نصف عام تقريبًا منذ بداية الهجرة، حتى نزلت سورة البقرة آيات 144-146 لتعلن تغيير الاتجاه الديني الرسمي لأداء الشعائر التعبدية للمؤمنين.
وكان سبب اختيار فلسطين مركزًا أوليًا لوجهتها هو ارتباط الممارسات الدينية فيها بالأنبياء السابقين مثل داود وسليمان وابراهيم عليهم السلام جميعًا. ومع أنها نقطة انطلاق منطقية نظرًا لتاريخ الدين وتطوره عبر الزمن، إلا أنه مع مرور الوقت وبزوغ نور جديد للإسلام تحت قيادة خاتمة الأنبياء، أصبح واضحًا ضرورة انتقال المركز الروحي الرئيسي للأرض الطاهرة؛ أرض الحرم المكي والتي تعتبر مسقط رأس نبي الله ابراهيم ومصدر قوة روحية عميقة للجماعة المؤمنة حديثًا.
وقد اختارت قدرة الله سبحانه وتعالي لهذه الفترات الانتقالية دورًا محوريّـًا فيما يسميه علماء العقيدة "إختبار أهل الحق". لقد شهد المجتمع المتنامي لحركة الدعوة الإسلامية مواجهة حقيقية أمام الاختيارات والتحديات المختلفة التي فرضها عليها الواقع الاجتماعي آنذاك. بينما عبّر البعض عن سعادة ظاهرية نتيجة رجوع اتجاه الصلاة حسب اعتقادهم القديم تجاه القدس، سرعان ما أثبت المسلمون تفانيهم المستمد من إيمانهم الراسخ باتباع تعليماته مباشرة دون تأجيل رغم عدم فهم دوافعه الظاهرية وقتئذِ. وفي المقابل، أظهر الجانبان الآخران ردود فعل مضادة كلٌ بحسب موقفه الخاصة؛ إذ رأينا بين صفوف المنافقين شكوك حول سلامة الطريق الجديد مُستندة لبراءة العين فقط وليس للعقلانية والفقه الشرعي الواضح والذي يؤكد امتياز التصرف الأخير للنبي المحمدي صلوات رب العالمين عليه وعلى صحبه أجمعين. أما بني إسرائيل الذين كانوا ينظرون لما يحدث بعيون مليئة بالحسد والحقد بسبب حرمانهم مما عرفوه ذات يوم كميزة خاصة لهم حصرا ولمسلمين الجدد هذه المرّة ، قاموا بإصدار أحكام جزافية وانتقامية استنادآ لتحيزات شخصية ضيقة بدلا من قبول حكم الرب العادل بكل طاعة وخضوع .
ويعد هذا التحول أيضًا علامة بارزة تؤكد صدق رسالة المصطفى محمد r حقبة جديدة من التجربة الإنسانية جمعاء تستلهم منهج حياة أكثر شمولا وإنسانية وأخلاقا سامية تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والعالمية لنفع البشر جميع أنواع البشر كافة بلا فرق قوم ولا طبقات ولا جنس ولا لون بل تبني وحدتها وسط تنوعاتها الثقافي والمعتقداتي معتمدة علي أساس المواطنة العالمية داخل منظومة واحدة عالمية واحدة عالم الإنسان كأسرة كبيرة تجمع أفراد أسرتها بوحدة مصير مشترك ووطن واحد هو الأرض بما تحتويه من ثروات خلقت من أجل رفاهيتها وكفايتها واستقرارها الداخلي والخارجي كذلك. إنها دعوة للتسامح والإيثار والإخاء فوق حدود الوطن السياسي الضيق الضيق تلك الحدود الزائلة مهما بلغت خشونة تصميماتها فهي مؤقتة وغير دائمية إلى زوال حتما قطعيا وفق رؤية راسخة لدى حملة الفكرة الخالدة برسالة الرحمة المنزلية للسادات الرسالية . وهكذا يتم تصحيح منحنى التاريخ نحو مستقبل يسعى لكل فرد فيه بأن يحقق ذاته ضمن إطار شامل يشجع التفرد النوعي بدون تهديم طبيعة الجموع الواحدة وهي هدف النهائي الذي يعمل الجميع لإنجازه جنبا إلي جنب متحدين توحدهم رسالات سماوية تغذي الحياة بروح الحب والألفة والسير بالقافلة عبر دهاليز الدهور اللا محدودة المدى مدنية حضارية تشهد لها الأرض بالسعادة والاستقرار النفسي والراحة النفسية الداخلية الخالصة وصفاء القلب النابع من نظافة الذات وانفتاح صدر صاحبها لقضاء حاجات الغير وحسن ظنه بأنه قادر حق القدرة علي أدائها تمام كما يفوض بذلك قادر الأكوان جل وعز.