سر غياب البسملة في سورة التوبة: رؤى تاريخية وفقهية

تشكل سورة التوبة ملحوظة فريدة ضمن ترتيب السور القرآني، إذ هي السورة الوحيدة التي افتتحت بدون "بسم الله الرحمن الرحيم". هذا الغياب ليس محض صدفة بل له ج

تشكل سورة التوبة ملحوظة فريدة ضمن ترتيب السور القرآني، إذ هي السورة الوحيدة التي افتتحت بدون "بسم الله الرحمن الرحيم". هذا الغياب ليس محض صدفة بل له جذوره التاريخية والفقهية العميقة.

وفقاً لأحد التفسيرات التاريخية، يعزو البعض السبب إلى اعتقاد الصحابة رضوان الله عليهم أنها تتابع مباشرةً سورة الأنفال، وكأنها جزء متكامل لها. يؤكد هذه النظرية قول عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما سئل عنها فقال إنها ظن أنها امتداد للسورة السابقة بسبب تشابه نزولهما وزمان وموضوعهما.

ومن وجهة نظر أخرى، ارتبط غياب البسملة بمضمون السورة نفسه. تتميز سورة التوبة بتشديد العقوبات ضد الكافرين والمعاندين، واستخدام الوعد بالعقاب بدلاً من الوعود بالإرشاد والنعم. يمكن اعتبار هذا الاختلاف تناسبياً مع النبرة الأكثر قوة والتوجيه الواضح نحو التعامل مع الخوارج الذين خانوا البيعة ونقضوا العهود.

كما يشير بعض المفسرين إلى ارتباط عادة الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال رسائل بلا بداية تحمل اسم الله عند انقطاع العلاقات الدبلوماسية كمثال على المنطق الشعري لهذه الجملة الأولى غير المعتادة لسورة التوبة.

وفي الجانب الفقهي، هناك مساحة واسعة للحوار حول طبيعة البسملة نفسها داخل النص القرآني. بينما يتمسك العديد من الفقهاء برؤية البسملة كآية مستقلة قائمة بذاتها، يستند الآخرون إلى أدلة مختلفة لتحديد موقعها الخاص بها بناءً على السياقات المختلفة لكل سورة قرآنية فردية.

وبالرغم من اختلاف المدارس الفكرية المتعلقة بالقراءة الشائعة لبداية السور القرآنية، فإن الاتفاق العام يسوده قبول بأن غياب البسملة في سورة التوبة أمر معتمد ومنصوص عليه بشكل مباشر ودقيق وفقاً لقواعد الترتيب الرباني لنص الكتاب المقدس الإسلامي.


الفقيه أبو محمد

17997 مدونة المشاركات

التعليقات