التسامح ليس مجرد فضيلة فردية في الإسلام؛ إنه أساس لبناء مجتمع متماسك ومزدهر. لقد كانت الأمثلة والتوجيهات القادمة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم واضحة ومؤثرة. يعكس تسامحه مع الآخرين قوة الأخلاق والإنسانية العميقة في رسالته.
من أشهر هذه الأمثلة موقف النبي تجاه الأعرابي الذي شد عباءته بشدة خلال رحلة. بدلاً من الغضب، ابتسم الرسول وأجاب لحاجاته بحكمة واحترام. وهذا مثال رائع عن كيفية تحويل الأزمات الصغيرة إلى فرص للتواصل الإنساني الحقيقي.
مثال آخر شهير هو قصة الرجل الذي حاول قتل النبي صلى الله عليه وسلم أثناء جلوسه تحت ظلال شجرة. عوضاً عن الانتقام, أمسك الرسول بسيف الرجل وقال "الله يكفيني". ثم سامحه وأمر بإطلاق سراحه، مما أدى إلى نشر روح السلام والمغفرة.
كما برز التسلسل الهرمي الاجتماعي عند أبي بكر الصديق، صحابي جليل وكبير أحد المبشرين الأوائل بالإسلام. فقد تعامل بصبر وحلم مع ابن عمه مسطح بن أثاثة، رغم تورطه في قضية شائنة. ولكن بعد توجيه الآية القرآنية (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) تغير موقف أبي بكر تمامًا، إذ كفّر عن يمينه السابق وصفح عن مسطح مرة أخرى.
لكن أهمية التسامح ليست فقط فيما ينفع الأفراد، بل تتخطى ذلك بكثير. إن تشجيع المغفرة يساهم في خلق بيئة اجتماعية أكثر هدوءًا واستقرارًا. كما أنه يقوي العلاقة مع الخالق عز وجل حسب قوله تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس" [آل عمران:134]. فالذي يغفر ويترك الدرك الأعلى سوف يحظى بمكانة عالية لدى الله سبحانه وتعالى.
وقد أكد القرآن الكريم على ضرورة التدريب المستمر على التحكم بالأنفس وممارسة العفو والصفح. مثل طلب الله للعطف والتسامح قائلاً: "فاصفح صفح الجميل." [الشورى:24] ، وكذلك ندائه لإعلان العفو وإنهاء التعصب نحو الآخرين:" فاغفر لهم واصفح ان الله يحب المحسنين.".[البقرة:199] بالإضافة للأجابة الشرعية لمن يفوق سيئة سيئة مثلها بأن الاعتداء قد يؤاخذ بإعادة نفس القدر منه إلا إذا أسقط الفاعلين حقهم عبر عفوة صادقة إذ حينذاك فإن الثواب والمجد سيكون لجبار السماء والأرض.
ومن هنا يبقى درس واضح ومعلوم مفادها أن جوهر الخير والإرشاد الرباني مستمد أصلاً مما ذهب إليه المصطفى سيد البشر والذي عاش وفق نهجه وما وفق لذلك فريق أصحابه كذلك وبعدهما تبعت تلك النهضة العديد ممن آمن ودعا لنشر ذات الدعوة المباركة تلك وصار بها دين الاسلام شامخاً راسخ القدمين .