يستخدم القرآن الكريم بشكل بارع مفردات تحمل دلالات مضادة للتعبير عن جوانب متنوعة من الواقع الإنساني والحكم الإلهي. هذه الظاهرة تُعرف بـ "الأضداد". إليك بعض الأمثلة البارزة لهذه الظاهرة في السياقات التالية:
التشخيص والتفاؤل في تسميات الطبيعة والأحداث:
- تطلق العرب اسم "القافلة" رغم احتمال عدم عودتها، وذلك لتأكيد الرجاء والتفاؤل بسلامتها.
- كذلك فإن تسمية الصحراء باسم "المفازة" هي رمز للفوز والثبات أثناء عبورها، مما يعكس روح التحدي والإصرار.
تضمين المعانـي المتناقضة في الوصف الجغرافي للأرض بعد عقاب أصحاب الجنة الزهرية:
- عندما يحكي القرآن عن تحويل تلك الأرض إلى صحراء قاحلة عبر عبارة "(فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ)"، يمكن فهم الصريم إما باعتباره تشبيهاً بإسوداد الليل أو بنقاء صباح خالٍ من الأشجار. الأصل اللغوي لكلمة "الصريم" يعني الشيء المقطوع تماماً، وهو مصطلح قابل للتطبيق سواء على الليل أو النهار بناءً على وجهة نظر محددة.
استخدام الضد التجريدي في رواية الحوار حول سفينة سيدنا موسى عليه السلام:
- عند شرح الخضر لموقف تعديل السفينة رغم اعتراضات صاحبها، ذُكر سبب العمل بأنه لمنع ملك ظالم يغصب السفن أثناء مرورهم من خلفهم مباشرة ("وَرَأَيْنَا مَلِكًا يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا"). بينما يتم استخدام كلمة "وراءهم" الأكثر شيوعاً للدلالة على الجانب الآخر من موقع الشخص الناطق، يمكن اعتبارها هنا مجازياً بمعنى "من أمامه"، نظراً لحالة القوة والهيمنة لدى الملك.
الرمزية المضادة في توصيف حالات أهـل النار والمعاناة الروحية فيها:
- يستعرض النص الشعور بالتناقضات النفسية داخل عالم العقوبة الأخروية:
+ رفع الرأس بشوق نحو المستقبل ("مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِم") لكنه يقابل بالتجبّر والسخط تجاه الله عز وجل حسب البعض.
+ إسماع ندمانتهم وصراعاتهم الداخلية رغم كون اليوم سرمدياً بدون تمثيل(أنظر كيف يبدو العالم الخارجي كما لو أنه مكان طبيعي (مثل الحياة_), وهناك اصطفاف واضح بين الطرق المختلفة للعيش). إلّا أنّ هناك خلاف بشأن كيفية توضيح حالة الأشخاص فيما يتعلق بكشف أسرار قلوبهم للشيطان مقابل قدرتهم المحتملة لإظهار تلك المشاعر المؤلمة بسبب ضيق نفسي شديد للغاية. وفي النهاية، تبقى درجة القدرة البشرية مشكلة مفتوحة.
المفاهيم المالية ومتغيرات الثراء وفق منظور قرآني فلسفي عميق:
- يصف الدينار بأنّه مصدر قوة ذات طابع معنوي وحقيقي للحياة الاجتماعية والجوانب الاقتصادية أيضًا ('وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ'). وتشير كلمة 'مقوين' إلى الفئات المجتمعية ذات الطبقات الاقتصادية المنخفضة والتي تتجه للاستدانة لشراء الاحتياجات الملحة بدافع حاجتها الماسة لذلك الأمر أكثر ممن لديهم موارد نقدية وفيرة بالفعل! وهذا التركيز اللافت يسلط الضوء مرة أخرى على العمق البلاغي للنصوص الدينية.