الاستطاعة الشرعية: مفهومها وأبعادها في الفقه الإسلامي

في سياق الشريعة الإسلامية، يعد مفهوم "الاستطاعة" من المفاهيم الأساسية التي لها تأثير عميق على العديد من الأحكام والمعاملات. يُعرّف العلماء الاستطاعة ب

في سياق الشريعة الإسلامية، يعد مفهوم "الاستطاعة" من المفاهيم الأساسية التي لها تأثير عميق على العديد من الأحكام والمعاملات. يُعرّف العلماء الاستطاعة بأنها القدرة الجسدية أو المالية لتحقيق عمل ما، سواء كان هذا العمل واجباً دينيًا كالصلاة والزكاة والحج، أو حقاً مستحقاً مثل حقوق الزوجين والأبناء وغيرهم. وهي تعتبر أساس الكثير من أحكام الفقه الإسلامي، بما فيها مسائل الإيمان والكفر، القضاء، الصوم، الحج، الزواج، الطلاق، والعديد من الأمور الأخرى.

يتناول علماء الشريعة ثلاثة أقسام رئيسيين للاستطاعة بناءً على المعيار المستخدم لتقديرها: الاستطاعة الذاتية، والاستطاعة الأصولية، والاستطاعة الاجتماعية. تشير الاستطاعة الذاتية إلى قدرت الشخص على أداء العمل بنفسه وبذاته فقط، والتي قد تكون محددة بالقدرة البدنية والعقلية والمالية. أما الاستطاعة الأصولية فتتعلق بكيفية توضيح كيفية تحقيق الأفعال الدينية بشكل عام وكيف ينظر إليها المجتمع والدولة أيضًا. بينما تستند الاستطاعة الاجتماعية إلى اعتبارات اجتماعية واقتصادية خارجية تؤثر على قدرة الأفراد على تنفيذ الواجبات الدينية والإرشادية.

من الناحية العملية، يستخدم الفقهاء معايير مختلفة لتحديد ما إذا كانت هناك استطاعة أم لا بالنسبة لحالات معينة. فعلى سبيل المثال، عند الحديث عن صيام شهر رمضان، يعتبر عدم القدرة الجسدية أو المرض سببًا مقبولًا للعفو عن الصوم حتى يتم شفاء الشخص، وذلك استنادا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار". وفي حالات أخرى تتعلق بالحج مثلاً، يؤخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي للشخص وعائلته بالإضافة للمسافة بين الموقع الحالي ومكة المكرمة فيما يعرف باستشارة أهل الخبرة والخبرة المحلية بشأن مدى استطاعتهم القيام بالنسك سنويًا بدون إحداث خسائر مالية كبيرة عليهم وعلى أولادهم.

ومن الجدير بالذكر هنا دور النصوص القرآنية والسنة النبوية في تحديد حدود هذه المصطلحات وتطبيقها ضمن مختلف الظروف التاريخية والجغرافية المتغيرة عبر القرون المختلفة للتاريخ الإسلامي الواسع. ومن ثم فقد ارتبط فهم ومعرفة مصطلح "الاستطاعة شرعا" ارتباط وثيق بتفسير وتعليم الدين الإسلامي والتأويل العقلي لفهمه وفقا للأوضاع المعاصرة والظروف الملحة آنذاك. لذلك فإن دراستها وسعي المسلم لممارسة تعاليم دينِه بحسب حالة كل فرد أمر مفروض ومسؤولية شخصية ذات قيمة روحية عظيمة تطمح بها النفوس المباركة نحو رضا رب العالمين سبحانه وتعالى عز وجل.


الفقيه أبو محمد

17997 Blogg inlägg

Kommentarer