- صاحب المنشور: الجبلي بن منصور
ملخص النقاش:
في عصر يشهد نموًا مطردًا للتنمية الحضرية، يبرز موضوع التوازن بين الحفاظ على التراث الثقافي والبيئي وتنفيذ مشاريع عمرانية مستدامة كأحد أهم القضايا التي تواجه المجتمعات الحديثة. هذا البحث يقارب هذه المسألة من زاوية عدة جوانب: تاريخية، ثقافية، بيئية، وجوانبها المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاستدامة.
الجوانب التاريخية والثقافية
يمثل التراث الثقافي والأثرى جزءاً أساسياً من هويتنا الوطنية والإنسانية. المباني القديمة، المواقع الأثرية، والمواقع ذات القيمة الجمالية كلها تشكل تراثاً لا يمكن تعويضه إذا ضاع أو تعرض للتغيير الكبير الذي قد يحدث خلال عملية تطوير المناطق. تدمير أو تغيير هيكلية مبنى تاريخي يعادل فقدان جزء مهم من ذاكرتنا الجمعية وعلى الرغم من ذلك فإن الاستثمار في ترميم وإعادة استخدام مثل هذه البنايات له مردوده الإيجابي ليس فقط على الجانب الثقافي ولكن أيضا على الجانب الاقتصادي حيث يدعم السياحة ويعزز اقتصاد المدينة.
الزاوية البيئية والتخطيط المكاني
تكمن تحديات الحفظ أيضًا في كيفية التعامل مع المتطلبات البيئية أثناء القيام بأعمال إعادة التأهيل والبناء الجديد. يتضمن ذلك النظر بعناية إلى تأثير التصميم الجديد على النظام البيئي العام للمدينة وكيف سيؤدي إلى تقليل انبعاث الغازات الدفيئة وتحقيق الهدف النهائي وهو المدن الخضراء الصديقة للبيئة. علاوة على ذلك فإن هناك حاجة ملحة لتطوير طرق جديدة لبناء الهياكل العقارية تسمح بتنوع أكبر للحياة النباتية والحيوانية داخل حدود المدن. وهذا يتطلب دراسة متأنية لاستخدام المواد المحلية والصديقة للبيئة واستراتيجيات إدارة المياه الفعالة لتحويل الأحياء الحضرية نحو خيارات أكثر استدامة وصديقة للبيئة.
الآثار الاقتصادية للاستدامة والقابلية للتكيف
تعمل مشاريع التجديد الحضري والحفاظ على التراث بكلتا وجهتي نظرهما - الثقافية والبيئية - كمحفزين رئيسيين للاقتصاد المحلي والعالمي. فهي تجذب الأفراد الذين يبحثون عن التجارب الأصيلة ويقدرون القيمة العاطفية والمعنوية لممتلكاتها المادية. كما أنها توفر فرص عمل متنوعة في قطاعات مختلفة كالترميم, الهندسة, التعليم والسياحة. بالإضافة لهذا فإنه باستخدام التقنيات المستدامة ستصبح تكلفة التشغيل أقل بكثير مما يساهم أيضاً في زيادة قيمة الملكية للعقارات المعاد بنائها وبالتالي تسهم بشكل كبير في تحقيق عائد أفضل على الاستثمار (ROI).
إن مفتاح حل التوازن بين حماية التراث وتعزيز التنمية المستدامة يكمن في فهم الروابط بين الجوانب الثلاثة لسؤالنا الأساسي: الثقافة, الطبيعة والاستدامة المالية. ومن هنا تأتي ضرورة اعتماد نهج شامل وشاملاً عند وضع السياسات العامة واتخاذ القرار بشأن مشاريع التطوير العقاري للأراضي التاريخية وأسواق الأعمال غير المنظمة سابقاً والتي تحتاج الآن لإعادة النظر بها ضمن منظور جديد ومتكامل يتعلق بالتطور الذكي للمدن بطريقة تحافظ عليها لأجيال قادمة باعتبارها نماذج فريدة لجودة الحياة ومقاومة التحولات الكارثية المحتملة الناجمة عن تغير المناخ وغيرها من المخاطر العالمية قصيرة المدى وطويلة المدى.