تعدّ سورة سبأ واحدة من سور القرآن الكريم التي تحمل بين طياتها تاريخاً غنياً ودروساً قيّمة. هذه السورة، وهي الخامسة والعشرين حسب الترتيب القرآني, تتكون من خمس وعشرين آية فقط ولكن معناها يعكس عمقاً هائلاً. اسم "سبأ" نفسه يحيل إلى مملكة قديمة كانت موجودة في اليمن القديم، والتي ذكرت في عدة مواضع أخرى من الكتاب المقدس والإنجيل بالإضافة إلى القرآن.
في البداية، يبدأ الله تعالى بسرد قصة ملك سبأ لهابيل بن سهل بن عمرو العدناني. الملك الذي كان يُعرف بحكمته ورؤيته الثاقبة. تُعتبر القصة درساً عظيماً حول أهمية الصبر والثقة بالله. عندما سمعت بلقيس ملكة سبأ بالأمر، لم تنكر وجود النبي شعيب عليه السلام ولا الآيات التي جاء بها، ولكنه طلبت الوقت للتدبّر والنظر قبل اتخاذ القرار النهائي. هذا التصرف يدل على احترامها للعلم والحكمة، كما أنه مثال ممتاز للجهود الفكرية المستقلة حتى ضمن الإطار الديني الإسلامي.
كما تقدم السورة أيضاً دروساً مهمة حول العدالة الاجتماعية والمسؤولية الأخلاقية للملك تجاه رعاياه. يشير القرآن إلى كيف استخدم حبيب ابن أخو الملك المال العام لبناء حصون ومواقع دفاعية لقومه بدلاً من الإنفاق الزائد على نفسه. هذا العمل النبيل يجسد روح المسؤولية الحقيقية والقوة الأخلاقية.
وأخيراً وليس آخراً، تشكل سورة سبأ أحد الأدلة الرئيسية على قدرة الله عز وجل وبراعته الخلقية. تفاصيل بناء سد مارب - وهو واحد من أعظم شواهد الهندسة القديمة - تصور بشكل واضح مدى عظمة خلق الله وتقديره للحياة البشرية وأهميتها بالنسبة له.
بهذا نرى أن سورة سبأ ليست مجرد سرد لتاريخ أسلافنا، ولكنها تعليم إرشادي يستطيع كل مسلم وفهم العالم من خلال نظرة ثاقبة تحترم العلم والمعرفة والدين معاً.
