في رحلة البحث عن الحقيقة الإنسانية والأخلاقية، غالبًا ما تتجلّى صفائح الضياء في مواقف بسيطة ولكنها عميقة المعنى. وفي مجال الميراث، تكثر القصص التي تؤكد قيم العدالة والتراحم بين أفراد المجتمع المسلم منذ القدم وحتى يومنا هذا. وهي تجارب تثري فهمنا لهذه النظم الاجتماعية الدينية وتعيد تأكيد أهميتها الأخلاقية والدنيوية.
أكان ذلك حين ضرب الفقه القديم مثالا لتعفف النساء المؤمنات، مثل تلك المرأة الصالحة التي رفعت يدها عن عجين الطعام فور علمها بوفاة زوجها، أو المرأة التي أطفأت مصباح البيت لأن النفط داخله أصبح ملكا مشتركا الآن، فإن هاتين التجربتين تشيران برمزية واضحة نحو مدى الاحترام والتقديس لمعايير الشفافية والاستقامة عند التعامل مع أموال الغير حتى لو اقتصر الأمر على قطرات زيت قليلة. بل ويحثّان المرء أيضا على التأمل فيما يحدث حولنا حولتنا حول عدم احترام حقوق البعض واستيفائهم لأبسط الحقوق المكفولة لهم شرعا ودستورا.
ومن جانب آخر، يعكس حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أثناء زيارته له بينما كان في حالة اغماء بسبب مرضه، جانبا رائدا من حكمة ونبوة السيرة الإسلامية الأولى. إذ طلب جابر النصيحة بشأن إدارة تركته الشخصية قبل انتقاله للحياة البرزخية فقال له المصطفى مباشرة "إن الله قد وضع لكل ذي حق حقه" مهددا بذلك نزول الآيات القرآنية الخاصة بتوزيع التركات والميراث وفق دستور الرب. وهذا الحدث المبارك يبشر بدخول نظام قانوني واضح المعالم ومرجعيته سماوية خالصة ضمن أسرة الدعوة المحمدية الوليدة آنذاك، كما يؤرخ لحالة نادرة من صدق التواصل الروحي والعاطفي بين رئيس الدولة الموحّد والقوام الاجتماعي والفكري للأمة الجديدة والذي أتى مؤيدا لدعم توجه اجتماعي جديد يتمثل بإقرار أسس جديدة لسلوك الأفراد تجاه مستقبل ممتلكاتهم عقب الرحيل النهائي عن دار الدنيا.
ومع انتشار مظاهر سوء استخدام الثقة العامة لدى بعض رجال الدين والتجار غير المستعدين لاحتضان ثقافة سامية كهذه، تضيق مساحة الاحتمالات أمام الاستمرار في تقديم نماذج مشابهة لذلك المثال القرآني الأعلى إلا باستعادة حصيلة موروث ديني متكامل جوهره الاعتراف بالمسؤوليات المفروضة على المواطنين اتجاه الملك العام وعوائلهم الصغيرة والكبيرة وعلى رأسها بيت المال الوطني. وبالتالي ستنتقل الشعوب المتعطشة لنظام حكم رشيد باتباع الخطوط البيضاء لتوجهات الصحبة المبكرة لفطنة ومكارم محمد صلى الله عليه وسلم لعهد ذهبي يندر توفر ظروف نشوءه بالمفهوم الحالي لكنه بالتأكيد ممكن التحقق واقعيا حال تواجد شخصيات إيمانية خلوقة قادرة على تحمل دور وسطاء لإعداد أرض خصبة لصعود حركة اصلاح شاملة تستأنف مهمتها المقدسة بناء دولة راسخة أساساتها على كتاب رب العالمين وسنة رسوله الأمين المطهرة. وإننا وإن تبقى رؤانا هنا مجرد محاولات للتعبير الصوتي فقط فلا يسعنا الا ان نتضرع للمولي عز وجل بان يدبر امرا اهل العلم صلاحا وان يكشف ضباب الظلام عيون اخوانه الصادقين ليبصر درب هداية ابنائهم المبعدين عنها وقد آذن الوقت لاستقبال الفرص المناسبة لتحقيق الانبعاث مجددا لاسلوب الحياة المثالية الهينة المطاعة