ولد زيد بن عمرو بن نفيل في القرن الخامس الميلادي، وهو ابن رئيس بني عَدي إحدى فروع قبيلة قريش الشهيرة. رغم نشأته وسط ثقافة وثنية مكرسة للعادات الجاهلية، تميز زيد بشخصيته المستقلة وفطنته التي قادته للشكّ في معتقداته الدينية التقليدية. برزت لديه روح الاستفسار والعقلانية مبكرًا عندما رأى تنافر بين إيمانه الداخلي والفوضى الروحية التي أحاطت به.
في فترة حياته الأولى، اشتهر زيد برفضه المشاركة في طقوس عبادة الأوثان، خاصة عند تناول اللحوم التي ذبحها الناس لأسباب غير إلهية. كان يؤكد دائمًا بأنه لا يستطيع قبول قتل الحيوانات المقدمة للإله بشكل عشوائي بدلاً من تقديم تضحيات خالصة لله. هذه التصرفات جعلته مختلفًا وغريبًا بين مجتمعه، ممَّا دفع بعض المؤرخين لتسميته بـ"الفيلسوف البدائي".
وبحثًا عن أجوبة أكثر مباشرة وتعاليم أكثر صفاءً، خرج زيد من وطنه متوجهًا نحو الشرق حيث التقى بمجموعة متنوعة من رجال الدين المتدينين هناك. أولئك الذين اختلط بهم كانوا من اليهودية والنصرانية، لكن محادثاته معهما أثارت تساؤلات جديدة حول طبيعة الإيمان الحق وحقيقته. ردود هؤلاء الأشخاص منحته بصيص أمل جديد حين علم بغاية وجود نوع آخر من التدين يسمى بالحنيفية - وهي العقيدة التي اتبعها الخليل إبراهيم عليه السلام.
بعد عودته إلى موطنه الأم بمكة المكرمة بعد عدة سنوات، ظل زيد ملتزمًا بتوجهات الحنيفية بينما سعى لفهم تفاصيل هذه الطائفة الأقل شهرة آنذاك. وفي محاولته للسفر مجددًا لاستكشاف المزيد عنها يوم توفي بطريقة مؤلمة وفق روايات تاريخية مختلفة. وعلى الرغم من مرور عقود طويلة منذ وفاته، فإن تأثير فلسفته الشخصية وعقله الناقد يبقى واضحاً عبر صفحات التاريخ العربي والإسلامي. إنه مثال حي على شخصية تحدت الراحة المعرفية وخاطرت بالسير ضد التيار الاجتماعي للحصول على فهم فردي وعميق للدين والإنسانية.