الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
تعد صلاة الجمعة من أهم الصلوات في الإسلام، وهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل مقيم في قرية أو مدينة. ومع ذلك، فإن حكم إقامتها في الصحراء محل خلاف بين العلماء. بناءً على النصوص الشرعية وأقوال الفقهاء، يمكننا استخلاص الحكم التالي:
إذا كانت الصحراء التي يعمل فيها المسلمون بعيدة عن المدن والقرى، فلا تجب عليهم صلاة الجمعة، بل يجب عليهم صلاة الظهر. أما إذا كانت الصحراء قريبة من مكان تقام فيه الجمعة بحيث تسمعون الأذان، أو كان معكم مستوطنون بها ممن تجب عليهم الجمعة، فتجب عليكم صلاة الجمعة بالتبع للمستوطنين بالبلدة أو الشركة.
يذكر ابن قدامة في "المغني" أن صلاة الجمعة إنما تجب بسبعة شروط، ومنها الاستيطان، وهو شرط في قول أكثر أهل العلم. ويقصد بالاستيطان الإقامة في قرية لا يظعنون عنها صيفاً ولا شتاء. وبناءً على ذلك، فإن من يقيم في صحراء بعيدة عن المدن والقرى لا يعتبر مستوطناً، وبالتالي لا تجب عليه صلاة الجمعة.
ومن جهة أخرى، إذا كانت الصحراء قريبة من مكان تقام فيه الجمعة، فقد أجاز بعض الفقهاء إقامة الجمعة فيها. فالحنفية يشترطون لصحة إقامتها أن تقام في القرية أو ضواحيها، بينما الشافعية لا بد من إقامتها عندهم في محيط الأبنية سواء كانت بلدة أو قرية. والمالكية يشترطون أن تقام في جامع مبني بناء معتاداً بالنظر إلى بناء البلد. أما الحنابلة فلا يشترطون ما ذكر؛ بل تصح عندهم إقامتها في الصحراء القريب من البنيان.
وفي حالة تعدد الجمعة، أي إقامتها في مكانين مختلفين في وقت واحد، فقد أجاز بعض الفقهاء ذلك إذا دعت الضرورة إليه. ومع ذلك، يجب التنبيه إلى أن صلاة الجمعة في الصحراء دون وجود مستوطنين بها لا تصح، لأن الاستيطان شرط لصحة إقامة صلاة الجمعة.
وفي الختام، يجب على المسلم أن يتبع أقوال العلماء الموثوقين عند تحديد حكم صلاة الجمعة في الصحراء، وأن يحرص على أداء الصلاة في الوقت المناسب وفقاً للعلامات الشرعية التي نصبها الشارع لتحديد أوقات الصلوات. والله أعلم.