في سجلات التاريخ المصري العريق، تُعتبر شجرة الدر واحدة من أكثر الشخصيات تأثيراً. كملكة ووزيرة وحتى قائدة عسكرية، تركت بصمة واضحة خلال فترة الحكم الأيوبي. ولدت هذه المرأة القوية والمعروفة أيضًا باسم "عائشة قطب الدين أم علي"، لتصبح رمزاً للقيادة النسائية غير المسبوقة في ذلك الوقت.
تولّت شجرة الدر زمام الأمور بعد وفاة زوجها الملك الصالح أيوب عام 1249 م. رغم عدم وجود قاعدة تقليدية تسمح للمرأة بالاحتفاظ بهذا المنصب الرفيع، إلا أنها استثمرت ثقتها وخبراتها للتأكيد على قدرتها على الحكم. بدأت فترة حكمها بتحدٍ كبير؛ فقد كان الجيش الفرنسي قد غزا مصر تحت قيادة لويس التاسع. ولكن بشجاعة نادرة، قادتها شجرة الدر بنفسها الهجوم المضاد المفاجئ ضد الغزاة، مما أدى إلى هزيمتهم واستعادة استقلال البلاد.
لم تكن مهارات شجرة الدر محصورة فقط في السياسة والعسكرية، بل كانت أيضاً ذات دور فعال في الشؤون الثقافية والاقتصادية للدولة. دعمتها عبقريتها الإدارية وأسلوبها الدبلوماسي الفذ لتنفيذ مجموعة واسعة من المشاريع التنموية والبُنى التحتية الضرورية، بما فيها إنشاء مرافق الري الحديثة وتوسيع شبكات التجارة الخارجية. علاوةً على ذلك، عززت من مكانتها داخل المجتمع من خلال تشجيع الفنون والأدب وتعزيز التعليم بين النساء.
على الرغم من الزواج الثاني لها مع توران شاه، فإن شعبيتها ظلت ثابتة حتى نهاية حياتها القصيرة لكن الملفتة للأحداث في العام التالي مباشرة بعد توليهما السلطة معاً. اختارت شجرة الدر الموت بطريقة بطولية ودراما متناهية عندما طالبت بأن يُقتل أي محارب يجرؤ على قتل ملكته الجديدة. بالتالي، رسمت قصة حياة شجرة الدر صورة رائعة لامرأة قاد المستضعفين ومهدت الطريق أمام الجيل القادم من النساء الطموحات والمقتدرين سياسياً واجتماعياً وعسكريا في العالم الإسلامي الكبير حينذاك.