تساهم ظاهرة هجرة الأدمغة بشكل كبير في فقدان الدول النامية مثل الدول العربية ثروتها البشرية من الكفاءات والعقول المبدعة، مما يشكل عبئًا ثقيلًا على جهود التنمية المستدامة وعمليات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. هذه الظاهرة ليست فقط نتيجة لغياب فرص العمل المحلية الجذابة ولكن أيضًا بسبب الفساد الحكومي ونقص الاستقرار السياسي والأمني، وهو ما يجعل البيئة غير جاذبة للمواهب الشابة التي قد تسعى إلى مستقبل أكثر ضماناً وتطورًا خارج حدود الوطن الأم.
تُظهر الدراسات أن العديد من البلدان المتقدمة تستقطب العلماء العرب والمختصين في مختلف المجالات الهندسية والتكنولوجية وغيرها بمعدلات مرتفعة. هذا الأمر ليس فقط خسارة لهذه الدول بل يعزز أيضاً القوة التنافسية للدول المضيفة لهؤلاء المهنيين. ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، يعمل حوالي ربع الخريجين السعوديينحاصلونعلى درجات علمية عليا بعد انتقالهم للولايات المتحدةبعد حصولهم عليها هناك مباشرةً.
تؤدي هجرة الأدمغة إلى خلق فراغات معرفية وفنية كبيرة داخل المجتمعات الأصلية لها تأثير عميق على عجلة البحث العلمي والإنتاج الثقافي والفكري فيها. بالإضافة لذلك فإن تكلفة تدريب واستثمار الوقت والجهد في تطوير هؤلاء الأفراد غالباً ما تعوض بفوائد قليلة للغاية لدى عودتهم إن حدث ذلك أصلاً. ومع ذلك، يمكن اعتبار بعض حالات الارتحال مؤقتة ويمكن استغلالها لصالح البلاد عبر تشجيع الوافدين القدامى على تبادل خبراتهم ومشاركتها مع مجتمعاتهم الأصلية وعبر استخدام منتدى التواصل الدولي كأساس لنقل المعرفة وإعادة البناء المعرفي محليا.
وتحتاج السياسات الوطنية إلى مراجعة شاملة لتقديم حلول فعالة لمواجهة حالة "الهجرة الدماغ". ويجب التركيز على تحسين بيئة الأعمال والحكومات الشفافة والقانونية كأحد أهم إجراءات الاحتفاظ بالخبرات المحلية وقدراتهم الهائلة. كما ينبغي النظر في تقديم الحوافز المالية والمعنوية للعائدين الذين اختاروا أخذ مهاراتهم المكتسبة حديثاً والاستثمار بها مرة أخرى في الداخل. كل تلك الخطوات ستكون جزء مهم جدا لحماية الثروة البشرية للشعوب وتعزيز الروابط بين المنطلقات الجديدة والأرض الأصلية.