يشكل الغلو محنة خطيرة تطال كل من الفرد والمجتمع. فهو يدفع نحو الانحراف عن الطريق المستقيم، حيث يتم التعدي على الحدود الشرعية والعقلانية، بما ينتج عنه عواقب وخيمة. ومن أبرز مظاهر الغلو في الجانب الروحاني والإيماني، وذلك حين يؤدي الأفراط في العبادات إلى تركيز غير صحيح عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. فالقيام بالأعمال الصالحة بدون تدقيق شرعي قد يقود إلى ارتكاب مخالفات دينية كبيرة. بالإضافة لذلك، يمكن للغلو أيضا أن يعتري التفكير والفلسفة الشخصية لأفراد المجتمع، مسبباً بذلك عدم احترام الآراء الأخرى وصراعات عقائدية تؤدي لتطرف اجتماعي مدمر.
وعندما يغرق المرء في بحار غلوة ذهنية وفكرية متشددة، فإنه يخسر قدرته على قبول الاختلاف والحوار المثمر مع الآخرين. وهكذا، تتولد مشاعر بغضاء واحتقان داخل القلب تجاه المخالفين، وهو ما يعد أساس بعض الحركات المتطرفة اليوم. ولا بد هنا من التأكيد على حقيقة ضرورية وهي أن التنوع والاستقلال الثقافي للإبداعات الفكرية هما مفتاح تقدم البشرية وانتشار الخير فيها؛ بينما يساهم الغلو بالتالي في القضاء على هذه المواهب والثروات الجميلة. وفي النهاية، يبقى مصير المغالي بنفسه فقط، إذ لن تستطيع النار التي أشعلها بأنظمتها التعسفية إلا استهلاك نفسها أولًا وأخيرًا!