تعكس حالة البطالة في مصر مخاطر تتجاوز مجرد نقص الفرص الوظيفية؛ إنها انعكاس مباشر لضعف الاستثمار وتحديات البنية الاقتصادية الهشة. وفقًا للافتراض الاقتصادي التقليدي، يُعرَّف معدل البطالة بأنه نسبة الأفراد الذين يبحثون بنشاط عن وظائف ولكنه لم يتم توظيفهم إلى قوة العمل الكلية. وفي سياق مصر تحديدًا، تصبح تلك الفكرة ذات دلالة عميقة نظرًا لتوافر اليد العاملة بكثافة مقابل عدم كفاية الاستثمارات ورؤوس الأموال.
يمكن تقسيم ملامح البطالة المصرية إلى ثلاث فئات أساسية:
- البطالة الدورية: ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنظام الرأسمالية ومتقلبه. أثناء الانكماش الاقتصادي، تنخفض المستويات الاستثمارية والإدخارية، مما يدفع بدوره نحو انخفاض مستويات العمالة.
- البطالة المرتبطة بهيكل الاقتصاد: هنا يأتي دور التحول الجذري في طلب وعرض السلع والخدمات. يشهد بعض قطاعات الأعمال تغييرات هامة قد تؤدي لإغلاق المصانع ونقل المنشآت بهدف تحقيق ربحية أعلى وتوجيه موارد أفضل.
- البطالة القسرية: تستعرض هذه الحالة محدودية قدرة الدولة على تقديم حلول ثابتة لحجم الشباب الجامعى والخريجين المهنيين الراغبين في الحصول على وظائف حكومية بما يكفي للقضاء على توقعات النقص لديهم.
ويرجع سبب انتشار هذه الظاهرة لدى الشعب المصري إلى عدة عوامل: أولها التزايد المتسارع للسكان جنبًا إلى جنب مع تباطؤ نمو المشروعات الاستثمارية الرئيسية، الأمر الذي يقود لانغلاق طرق خلق المزيد من العقارات التجارية الجديدة أمام الجميع باستمرار. ثانيها ثورة الحداثة والتكنولوجيا الحديثة، حيث أصبح بإمكان جهاز واحد الآن القيام بوظيفة خمس أشخاص سابقًا - وهذا الموضوع ذاته يساهم أيضًا في زيادة مقاطعة الطبقة العاملة تمامًا كما حدث حينما تم تركيب آليات آلية وحلول رقمية عالية المدى للإنتاج والكفاءات الذاتية عبر الأقسام الحكومية المختلفة محليًا وجهاز الخدمات المدنية الأوسع عالميًا كذلك. وأخيراً، أدوار ضعيفة نسبيا لكل من القطاعين الخاص والحكومي تجاه مسؤوليتهما المشتركة حول دعم وتمويل توسعات مشاريع جديدة تساهم بخلق مزيد من أماكن التشغيل والدعم الضمني لأصحاب الفئة العمرية الأكثر عرضة لفقدان مكانتهم السوقة نظرا لكبر السن مثلما نشاهد حاليا بالممارسات المعتمدة عند طرح باب التقدم لوظائف مفتوحة حديثا بشركات مختلفة سواء كانت تابعة للدولة مباشرة أو متعاونة منها بلا شك!
وفي خضم الاحتفال بحلم بناء اقتصاد جديد ومختلف جذريا، فإن مواجهة ملف "إيجاد توازن بيئي اقتصادي اجتماعي" أمر حيوي للغاية؛ فالاستجابة لهذه المشاكل المركبة تتطلب نهجا شاملا طويل الامد يستهدف جوانب عديدة تبدأ بالإصلاح المؤسسي وحتى تطبيق سياسات حماية حقوق العمال وحتميات رؤية مدروسة لرصد أفضل إمكانات استخدام التكنولوجيا بدون التأثير سلبي عليها وعلى مستوى مشاركتها الفعلي داخل منظومة الحياة العملية اليوم أيضا.