مع تزايد زخم العولمة وترابط العالم بشكل غير مسبوق عبر الوسائل الرقمية والتجارية، برزت قضية تأثير هذه العملية على التنوّع الثقافي كتحدٍ رئيسي أمام مجتمعات وثقافات متنوعة حول العالم. إن توسع وسائل الاتصال الإلكترونية عالميًا ساهم في نشر ثقافات وأساليب حياة جديدة بسرعة مذهلة، مما أدى بدوره إلى ظهور نقاشات مجتمعية واقتصادية مهمة بشأن كيفية التعامل مع هذا الوضع الجديد.
وفي حين تُعتبر الولايات المتحدة أحد المحركين الرئيسيين لهذه الظاهرة بسبب هيمنتها الإعلامية والثقافية والاستثمار الكبير في صناعة الترفيه الرقمية، فإن ممارسة التأثير الثقافي الأمريكي ليست فريدة من نوعها؛ إذ تقوم عدة دول رأسمالية أخرى بنفس النهج ضمن استراتيجيتها للتوسع التجاري والمعنوي خارج حدودها الوطنية. وقد أثبتت الدراسات الاجتماعية ارتفاع معدلات تبني نمط الحياة الغربي الاستهلاكي لدى طبقات اجتماعية وسطى متنامية داخل البلدان المستقبلة لتلك الثقافات الخارجية.
ومع ظهور دعوات ملحة نحو بناء هُوية ثقافية مشتركة عالمياً خلال التسعينيات، واجه المسعى العقبات المرتبطة برفض العديد من المثقفين والشعوب الأصلية لمثل هذا التوجه الموحد، فضلاً عن جهود استعادة جذور الهويات الثقافية التقليدية والحفاظ عليها بوسائل مختلفة مثل الاحتفاء بالموروث التاريخي والعادات الشعبية وصعود التيارات الإسلامية المعتدلة كبديل لحماية الذات ضد الانصهار الجارف للعولمة.
ويبرز هنا جانب آخر يتمثل في الصراع الناجم بين الاحترام المتبادل لكل أشكال الفنون والأفكار وآليات التحول الاجتماعي مقابل الضغط المتزايد لتحقيق مكاسب مادية ضخمة نتيجة تمكين الشركات الدولية المهتمة بالسوق الواسع المفتوح وحصيلة ربحية مضمونة. وفي المقابل، تعمل أصوات حقوق الإنسان والفنانين المؤثرين على رفع مستوى الوعي حول ضرورة دعم النسيج المتعدد للأديان والمذاهب الفنية بما يعكس ثراء ونبل الموروث الإنساني الخاص بكل منطقة وجماعة بشرية خاصة. ومن ثم، يبدو واضحاً أنه رغم قدرة العولمة على توحيد بعض جوانب التجارب البشرية المعاصرة، إلا أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً أيضاً باستخدام ماهو مميز وفريد لدى مختلف المجتمعات كأساس لإنتاج أفلام وثائقية تجارية ناجحة وتعزيز فرص عمل مبتكرة داخل السياقات الثقافية المحلية نفسها أثناء تناغم شامل لاستقطاب الجمهور الدولي الراغب باستكشاف مفردات "الخارج" بطريقة آمنة وعاملة للنمو المزدوج -بين الداخل والخارج-. وهكذا يشهد عصرنا الحالي طفرات هائلة نحو إعادة تعريف العلاقات الجديدة المبنية على احترام القديم ورد الاعتبار إليه بإيجاد حلول وسط موجهة لما يستلزمه سوق السوق الدولية حالياً وتلبية مطالب العملاء المتنوعين بلا انتقاص من حقوق الملكية الأدبية والفنية الخاصة بكل فرد مشارك بهذا التفاعل المتجدِّد الدائم بين الثقافات القائمة أساساً وغيرها المنظمة حديثاً مؤقتًا تحت سقف واحد واسع يسمونه بالعصر الحديث لعصر العولمة!