ولد العالم والداعية الإسلامي الكبير محمد بن عبد الوهاب في عام ١١١٥ هـ/ ١٧٠٣ م في مدينة العيينة بالنُجيد، وبذلك بدأ مسيرته نحو التأثير العميق في تاريخ الإسلام الحديث. حظي بتعليم مبكر وشديد التركيز تحت رعاية والده القاضي وعالم الدين الشهير عبد الوهاب بن سليمان، مما مهد الطريق لفطنته المبكرة ومهاراته الاستثنائية في التحصيل الأكاديمي.
بعد حفظ القرآن كاملا بحلول سن عشرة أعوام فقط، واصل رحلة التعلم الجادة عبر زيارة مراكز علمية بارزة مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة. هناك، امتلك فرصا نادرة للقاء العديد من العلماء القدامى والمؤثرين الذين تركوا بصمة لا تُمحى عليه شخصيا وعلى نظرياته المستقبلية. بعض هؤلاء الرعايا الأكبر هم الشيخ عبد الله بن سيف والشاعر المصري الشعبي محمد حياة السندِي.
وفيما بعد توجه إلى شرق الجزيرة العربية -الأحساء- حيث خضع لدراسات عميقة تحت إرشادات مجموعة أخرى من المفكرين المتميزين. لم يقتصر اهتمام ابن عبد الوهاب العلمي على الدراسات التقليدية للدين الإسلامي؛ بل انفتح أيضا لتتبّع الأمور المتصلة بالتاريخ والثقافة الإسلامية بما فيها فلسفات الشرق الأوسط القديمة وأنظمة معتقداتها المختلفة. ومع ذلك، حرص دائما على تحقيق توازن بين هذا التنويع الثقافي والحفاظ على القطع الثابتة للإسلام كما جاء بها الكتاب والسنة النبوية الشريفة.
كان جوهر رسالة ابن عبد الوهاب عبارة عن دعوة صادقة لإعادة النظر في العقائد والمعتقدات المرتبطة بالإسلام والتي برزت خلال فترة ما بعد القرن الثاني عشر الهجري والتي اعتبرها ابتعادا عن الأصل الصحيح للتوحيد. شدد بشكل خاص على خطورة انتشار أشكال مختلفة للشرك مثل عبادة الأشخاص والأماكن المقدسة خارج حدود دائرة الآله الواحد الحق سبحانه وتعالى حسب الرؤية الربانية للحنيفية الخالصة والإخلاص المطلق لله تعالى.
هذه الأفكار الجريئة أثارت الكثير من الانتقادات ولكنها جعلته شخصية مؤثرة للغاية داخل المجتمع السعودي خصوصا وفي العالم العربي عامة. إن نهضته التعليمية غيرت وجه التاريخ الإسلامي وساهمت بشدة فى توضيح الصورة الحقيقية للعقيدة المحضة وإزالة الغبش عنها أمام العامة والمتخصصين أيضاً . وقد أصبح مشروع "توحيده" أساسا لعهد سعود جديد يتمسك بفقه الصحابة ويتجنب الزوائد الروائية أو التعبديات البشرية فيما يسمى لاحقا بالمملكة السعودية الحديثة منذ قيام الدولة الأولى عام ١٢۳۳ﻫ /۱۸۱۸ ميلادية وذلك بناءً لرؤية سياسية واضحة وصوت دينيه يقودها رجل واحد اسمه الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية الحالي والذي اتخذ لنفسه موقف داعم لهذه الحركة الدينية الجديدة المتمثلة بدعوة ابن عبدالوهاب . وبالتالي فإن تأثيره ليس محدودا بمجرد كون صاحب نظرية معينة ولكنه يشكل نقطة تحول كبيرة تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر لسنوات قادمة حتّى اليوم نفسه .