تشهد مجتمعاتنا المعاصرة انتشارًا ملحوظًا لأشكال مختلفة من العنف، مما يشكل تحديًا كبيرًا أمام تحقيق الاستقرار الاجتماعي والنماء الشخصي. يعود هذا الانتشار لعدة عوامل عميقة الجذور تتعلق بالنظام الاجتماعي والثقافي والسياسي. أولها الشعور بالإحباط والإخفاقات المتكررة، سواء على المستويين الفردي أو الجماعي، والتي تؤدي غالبًا للشعور بعدم العدالة والاستياء. بالإضافة لذلك، فإن انتشار الفساد وضعف المؤسسات الحكومية يؤدي لشعور الأفراد بخيبة أمل تجاه النظام العام، ما يدفع بعضهم لتبني أساليب عنيفة للتعبير عن آرائهم ورد فعل على الظروف القاسية.
كما تساهم الضغوط الاجتماعية والنفسية، خاصة تلك المرتبطة بتسلط الأقوياء واستخدام سلطتهم لإجبار آخرين على تصرفات غير مرغوب فيها، بدور فعال في خلق بيئات مؤاتية للعنف. كذلك فإن قصور الأفراد عن التعامل مع مشكلات حياتهم بطرق صحية وبناء علاقات اجتماعية ناضجة تعتمد على التفاهم والتسامح يعد عاملا محفزا للعنف. وفي المقابل، يساهم تعميق مظاهر الحرمان الاقتصادي كالفقر والبطالة وانتشار المخدرات وغيرها من الآفات المجتمعية بدون رقابة دينية أو قانونية فعالة، في تشكيل مرتكزات جوهرية لفورة العنف.
ومن ضمن العوامل الدقيقة تأثير الغزو الثقافي عبر وسائط الإعلام التي تستغل حاجيات البشر للتحفيز نحو مواقف عدائية وضارة. إن فقدان القدوات الحسنة وانحسار التأثير البنّاء للأسر والمؤسسات التعليمية يحرم الشباب خصوصا من نماذج يحتذي بها ويتعلم منها كيفية ضبط الذات واتخاذ القرار المنطقي. بالتالي، فإن زرع الوعي الأخلاقي والديني لدى الأطفال منذ سن صغيرة جنباً إلى جنب مع التركيز على الحلول العملية لمشاكل الفقر والبطالة والإدمان وتنظيم العمل السياسي بشكل يسمح بحرية التعبير وتعزيز الحوار الوطني، ستكون خطوات حاسمة لمنع ظهور حالات العنف وإنهاء آثارها المدمرة.
إن بناء مجتمع قائم على المساواة والعدالة والقوانين العادلة والشاملة سيقلل كثيرا من احتمالات استخدام الطرق الوحشية لحل الخلافات الشخصية والجماعية. علاوة على ضرورة إعادة النظر في أدوار مؤسستي الأسرة والمدرسة لنشر ثقافة السلام وغرس مفاهيم التعاون واحترام الاختلاف داخل شبكات العلاقات الإنسانية الصغيرة والكبيرة. أخيرا وليس آخرا، تحسين الفرص المتاحة للسكان للحصول على رعاية نفسية واجتماعية شاملة يمكنها تمكين المواطنين لمعالجة تجارب الحياة الصعبة بصورة ايجابية وقابلة للاستدامة.