تعد مملكة البحرين واحة للثقافة والتراث الغني، وتحتل رياضة صيد الأسماك مكاناً هاماً ضمن تراثها الثقافي العميق. تتشابك هذه الرياضة مع التاريخ الطويل للمملكة، وترتبط ارتباط وثيق بصناعة صيد الأسماك المحلية التي تعتبر جزءاً أساسياً من الاقتصاد الوطني.
تاريخياً، كان صيد الأسماك مهنة أساسية لسكان جزيرة البحرين منذ آلاف السنين. يعود الوجود البشري إلى الجزيرة إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث تشير الاكتشافات الأثرية إلى وجود مستوطنات ساحلية مبكرة اعتمد سكانها بشكل كبير على البحر كالمصدر الرئيسي للغذاء والموارد الأخرى. تعددت وسائل الصيد القديمة بما فيها استخدام شباك اليد وأدوات الصدّ، مما يدل على المهارات الفائقة لسكان المنطقة في التعامل مع البيئة البحرية القاسية.
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، استغل التجار الأوروبيون موقع البحرين الاستراتيجي بين الشرق والغرب لإنشاء مراكز تجارية مزدهرة. ازدهرت التجارة الدولية بسبب موقع البلاد الملائم لنقل المنتجات مثل الحرير والبقوليات والأحجار الكريمة؛ إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فقد ظلت صناعة الصيد البحري العمود الفقري للاقتصاد المحلي. أدى هذا النمو التجاري جنباً إلى جنب مع تطوير طرق نقل أكثر كفاءة وصناعات المعالجة الغذائية المرتبطة بها إلى تعزيز دور صيد الأسماك كمصدر دخل رئيسي للسكان الجدد الذين كانوا ينتقلون إلى المنطقة بحثًا عن فرص حياة أفضل.
بمرور الوقت، تطورت تقنيات وممارسات الصيد لتواكب احتياجات السوق المتغيرة ومتطلباتها. اليوم، يعتبر قطاع الصيد البحري أحد القطاعات الرئيسية المساهمة في اقتصاد المملكة نظرًا لكمية ونوعية الأحياء البحرية المتنوعة الموجودة قبالة سواحلها. يشهد الموسم الحالي زيادة ملحوظة بنسبة ١٥٪ مقارنة بالسنوات الأخيرة وذلك نتيجة لاستخدام معدات حديثة وطرق علمية مدروسة بهدف تحقيق توازن بيئي مستدام دون الإخلال بتقدير قيمة هذه الثروة الطبيعية للحفاظ عليها للأجيال القادمة.
بالإضافة إلى أهميته الاقتصادية، تحتفل المجتمعات المحلية بمهرجانات سنوية خاصة تكرم خلالها عمالقة صناعة الصيد البحري الذين يعملون تحت الشمس الحارقة وفي المياه العميقة لإحضار فرائس غنية متنوعة والتي قد تشمل سمك الزبيدي والسردين والشعري وغيرها الكثير حسب المواسم المختلفة. إن حب وحماس هؤلاء الرجال لهذين الجانبين - الجانب الروحي والشراعي للأعمال- يخلق رابطا فريدا يربط الناس بالأرض وبحرهم.
وفي الآونة الاخيرة، شهدت البحرين نهضة كبيرة في مجال السياحة البيئية والصحة حيث اصبح هواة الصيد من جميع انحاء العالم يستمتعون بخوض مغامرات مذهلة ويختبرون فنون حرفيين محليين ماهرين يصنعون أدوات صنعة متخصصة لصيد الاسماك باستخدام الخشب والحبال وغيرها من المواد الطبيعية المتاحة بكثرة هناك .وهذه المغامرات توفر فرصة مميزة لمراقبة الحياة البرية داخل وخارج الماء وكذلك التعرف اكثرعلى الثقافة المحلية الأصيلة والحياة الاجتماعية لشعب المنطقة.
وفي النهاية ، فإن مساهمات صناعة الصيد البحري في خلق فرص العمل والاستقرار الاجتماعي فضلاً عن تأثيرها الدائم علي الشعب والمحيط جعلتها رمز شعبٍ يكافح بروح المرونة والعزيمة ضد تحديات الحياة اليوميه . إنه لأمر جدير بالتقدير حقاً كيف تحولت مهنة بسيطة ولكنها ضرورية ذات يوم إلى وسيلة للتواصل والمعرفة والقوة الإنسانية المشتركة والتي نعتز بها كلانا الآن باعتبارها جوهرة ثمينة من تراثنا العريق.