عيد الميلاد، واحداً من أهم الأعياد الدينية والثقافية التي يحتفل بها العالم سنويًا في الـ25 ديسمبر، له جذوره العميقة في التقليد المسيحي لتذكر ولادة يسوع المسيح. لكن الاحتفال بهذا اليوم ليس فقط مقتصراً على الدين المسيحي؛ فقد تحول مع مرور الزمن إلى تقليد ثقافي عالمي يمتد عبر المجتمعات المختلفة حول العالم.
في الأصل، يأتي اسم "ميلاد"، وهو ما يعني مولداً باللغة الإنكليزية، من الكلمة اللاتينية "Natalis"، والتي تعني يوم الميلاد. يعود أول ذكر لقانون رسمي يحكم احتفالاً بعيد ميلاد المسيح إلى القرن الرابع عندما اعتمد الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير هذا القانون كعطلة وطنية في جميع أنحاء الامبراطورية الرومانية الشرقية. ومع ذلك، فإن الوقت الحقيقي لميلاد المسيح غير معروف بدقة ولا يزال محل نقاش بين المؤرخين والدراسات الكتابية.
مع نمو انتشار المسيحية وانتشارها خارج حدود روما، بدأ عيدي الميلاد والمسيح كنصرانية تتأثران بتقاليد وثنية محلية متعددة. وفي أوروبا الشمالية، مثلاً، تطورت مظاهر عديدة مرتبطة بالأعياد الوثنية القديمة مثل مهرجان سولسستيس (Solstîce) عند الفايكنج والنورديين القدماء. وبحلول القرون الوسطى، كان عيد الميلاد قد أصبح عطلة مهمة جداً بالنسبة للمسيحيين الغربيين، حيث تميزت بطقوس دينية خاصة وطقوس شعبية متنوعة بما فيها تبادل الهدايا والأطعمة الخاصة وإقامة الأشجار الخضراء داخل المنازل.
عبر البحار، شهد عيد الميلاد أيضًا تأثيرات ثقافية بارزة. فعلى سبيل المثال، تحت تأثير الاستعمار البريطاني والفرنسي والإسباني وغيرها من القوى الأوروبية خلال فترة النهضة والاستكشافات البحرية، انتشر الاحتفال بعيد الميلاد بشكل كبير في الأمريكيتين وأستراليا وجنوب شرق آسيا. هنا أيضاً اندمجت عادات الاحتفالات المحلية مع تلك المستوردة مما أدى لظهور أشكال فريدة وفريدة من نوعها لكل منطقة.
اليوم، يعد عيد الميلاد أحد أكثر الأحداث المنتظرة سنوياً والذي يجتمع حوله الناس بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو الثقافية أو الجغرافية. فهو رمز للفرح والتجمع العائلي والسعادة العامة، ويحتفل به بمختلف الطرق حول العالم - بدءا بالتبادل الاجتماعي حتى الأعمال الخيرية والجوانب الاجتماعية المتنوعة الأخرى التي تشكل جوهر روح هذه الفترة العزيزة من العام. إنها قصة نجاح تنقل رسالة السلام والتآخي الإنساني عبر الحدود والعصور المختلفة منذ قرون طويلة مضت!