في ظل عالم يعاني من تحديات عديدة مثل الحروب والصراعات والكوارث الطبيعية، تواجه فئة مهملة ولكنها الأكثر هشاشة - أطفال - خطر التشرد والإبعاد عن بيئاتهم الأصلية بشكل متزايد. وفقا لتقارير الأمم المتحدة الأخيرة، هناك أكثر من 10 ملايين طفل مشرد حول العالم، وهو رقم شهد ارتفاعا ملحوظا منذ العام ٢٠٠٥ يصل إلى ١٢٣٪ بحلول ٢٠١٧. هذه الفئة البالغة من العمر أقل من الثامنة عشر تشكل حوالي نصف جميع اللاجئين عالميا، مما يؤكد حاجتنا الملحة للعمل الجماعي لحماية حقوق وحياة هؤلاء الشباب الغير قادرين على الدفاع عن أنفسهم ضد الظروف القاهرة.
يمكن تصنيف هجرة الطفل تحت ثلاثة تسميات رئيسية: اللاجئون والنازحون داخليا والأطفال المشردين نتيجة الكوارث البيئية. أولئك الذين يجبرون على عبور الحدود الوطنية يسمون باللاجئين، أما الآخرون الذين ينزلون طلبا للمأوى داخل وطنهم فهم يعرفون بـ"النازحين". وعلى الرغم من عدم وجود تعريف دقيق للأطفال غير مصحوبين بذويهم إلا أنها تعني غياب أحد الوالدين أثناء فترة الهجرة أو التشرد.
وعلى الرغم من أهميتها القصوى، فإن أخبار الأطفال المشردين تحظى باهتمام محدود جدا مقارنة بالأحداث الأخرى ذات طبيعة أكثر إثارة للعاطفة لدى الرأي العام العالمي. إن التركيز الكبير للإعلام على مواضيع مثل الإرهاب والجريمة قد تجاهلت بصمت معاناة هذه الشريحة الضائعة من المجتمع الإنساني. فالنظرة العامة تعتبرها مصدر تهديد محتمل للأمن الوطني بدلاً من النظر إليهم كضحايا ظروف خارجة عن سيطرتهم تماما. وتتجلى أيضا خيبة الأمل حين يتم التعامل مع قضاياهم بناء على اعتباراتها الاقتصادية فقط؛ حيث تساور الكثيرين مخاوف بشأن تكلفة دعم وإلحاق هؤلاء الأطفال بمؤسسات التعليم الحكومية المحلية المختلفة.
لكن آثار التشرد لا تبقى محصورة بجوانب اقتصادية واجتماعية فحسب، فهي تؤثر أيضًا بشدةعلى الصحة النفسية والعقلية لهؤلاء الأفراد الصغار المساكين. فقد أثبتت الدراسات العلمية مدى تأثير التجربة المؤلمة للتفرقة عن ذويهم ومشقة الانتقال والتكيف مع ثقافات مختلفة جديد عليها تمامًا - كل تلك العوامل مجتمعة تساهم بخلق حالة نفسية وعصبية مزمنة لديهم لاحقا حتى لو تغلبوا ظاهريًا على وضعهم الحالي واستقر بهم الأمر. وعندما يتعلق الأمر بالتكيف مجددًا ضمن نظام اجتماعي وثقافي مختلف تمامًا عنه المعتاد عليه سابقًا، يأخذ الوضع منحنى آخر بكثيرخطورة مما سبقه؛ فعند انهيار الروابط العائلية المعروفة سابقا وخلفها روابط أخرى جديدة لم يكن لهم دور في صنع قرار دخوله إليها قط، تبدأ عملية التأرجح بين شعوره بالرفض والخيانة والحزن وما يصاحبها من اضطراب نفسي وجنوح للشذوذ والسلوك العدائي تجاه الذات والمحيط الخارجي. لذلك، بات واضحًا أنه يستوجب علينا كمجتمع حشد جهود مشتركة لإيجاد حلول دائمة ومتكاملة تلبي احتياجات الطفولة المضطهَدة وإنصاف حقوقها الأساسية المقيدة حالياً وبقدر المستطاع لتحسين ظروف حياتها مستقبلا بكل جوانبها المتعدِّدة.