في رحاب التاريخ العربي، يحمل الوشم في طياته قصة عميقة تتغلغل عبر قرون من الزمان، تعكس تراث شعوب عاشت بين الصحراء والعصور القديمة. يعود تاريخ الوشم عند العرب إلى جذورٍ غائرةٍ في الماضي، حيث اتخذ عدة أشكال وأهداف مختلفة حسب السياقات الاجتماعية والدينية لكل ثقافة بدوية وعربية.
كانت مصر الفاطمية إحدى المحطات الأولى لهذه التقنية اليدوية الرائدة، حيث اعتمد الفراعنة عليها في تزيين أجسام كهانتهم وكهنتهم، ممثلةً رمزًا للحماية والقوة الروحية. واحتفظت آثار حتحور والكهنة الآخرين بشهادات مرئية لشعبية هذه الممارسة آنذاك.
ومن هنا انطلق انتشار الوشم عبر تجارة وصناعة المتوسط الشرقي باتجاه شبه الجزيرة العربية وخلفها أفريقيا. أصبح الأمر أكثر شيوعًا وسط قبائل الرحل مثل البدويين والأمازيغ الذين استخدموه كمرادفات للإبداع الجمالي والسحر الدفاعي ضد المخاطر الطبيعية والمعيشية.
وتتجلى صناعة وشوم القرون الغابرة في مجموعة متنوعة من المعدات المتخصصة المستعملة للرسم. تُعرض خطوط التصميم الأولية - سواء بالألوان أو أحادي اللون - كقطع فنية قابلة للتطبيق بعد نقلها بواسطة الآلات الخاصة المعروفة باسم "الأستنسيلات". تأتي مرحلة الرسم النهائي بإعداد خلطات الحبر المصنوع أساسًا من أكاسيد فلزية والتي – رغم احتمالية تهيجاتها للجسد – رسمت أرضية جمال وثقافة متوارثة.
لكن ثمة جانب مظلم مرتبط باستعمال تلك الطريقة: خطر انتقال العدوى والإصابة بأمراض ذات تأثير سلبي كبير على الصحة العامة وعلى وجه الخصوص احتمال التعرض لسرطان الجلد بسبب طريقة الرؤية غير الواضحة لما يدخل تحت مواضع الوسم مما يمكن أن يخفى عنه حالات مرضية كامنة.
وفي الوقت الحالي، توفر تكنولوجيا اليوم حلولا مبتكرة لاستعادة الشكل الطبيعي للغشاء الخارجي لجسم كل راغب بذلك، وإنْ باهظة الثمن نوعًا ما، إلا أنها فعالةٌ للغاية فيما يتعلق بالقضاء المطلق على كافة الآثار المكبوتة سابقًا. علّت لذلك أساليب مستحدثة تعتمد على قوة الأشعة الليزرية الموجهة نحو مناطق تواجد الخيوط الملونة المنصهرة داخل طبقات بشرته مضيفة القدر اللازم لحماماته الدموية المفيدة لإمكانيات العلاج الذاتية له! وهكذا يبقى لنا درس عمر هذا الاختفاء المؤقت إذ تدفع بنا الحياة دومًا دفعا لنرتجل ردهات المشهد الإنساني بكل تفاصيله الجدلية المختزنة ضمن نسيجه الاجتماعي العميق الفريد.