تُعدّ الحرب إحدى أكثر الظروف اختباراً لصلابة اقتصاديات الدول، ففي الوقت الذي تتوقف فيه عمليات الإنتاج وتنهار البنية التحتية وترتفع تكلفة الأمن، تبدأ عجلة الاستقرار الاقتصادي بالتباطؤ إذا لم تتوقف تماماً. هذا المقال يناقش بشكل مفصل الآثار الواسعة للحرب على جوانب مختلفة من الاقتصاد الوطني، بما يشمل التجارة والاستثمار والصناعة والبنية التحتية، بالإضافة إلى تأثيرها على أسعار الصرف والقيمة الشرائية للمواطن.
الحروب تؤثر بشكل مباشر على القدرة التجارية للدولة؛ فهي تعيق حركة التجارة الدولية بسبب اضطرابات وسائل المواصلات ونقل البضائع عبر الحدود. وقد يؤدي ذلك إلى فقدان الأسواق الخارجية الرئيسية التي كانت مصدر دخل كبير للبلاد بسبب نقص المنتجات المصدرة نتيجة توقفهما المؤقت للتجارة العالمية. كذلك يمكن أن تنخفض الواردات مما يزيد الفجوة بين الطلب المحلي والإمدادات المتاحة محليا.
بالإضافة لذلك، تشكل الحروب تحدياً كبيراً للاستثمارات سواء الداخلية والخارجية. فالاستثمارات غالباً ما تحتاج بيئة مستقرة لاستدامتها وحماية حقوق المستثمرين. ومع استمرار الحملات العسكرية وعدم اليقين بشأن مستقبل البلاد قد يفقد المستثمرون ثقة كبيرة في السوق ويحولون إستراتيجيات أعمالهم نحو مناطق أخرى أكثر أمناً واستقرارا اقتصاديًا. وهذا بدوره سيحد من توفر الأموال اللازمة لإعادة بناء وصيانة المنشآت والمرافق العامة والمواقع المدنية الأخرى المدمرة خلال فترة القتال.
كما أنها تؤثر أيضاً سلباًعلى القطاع الصناعي، إذ تضطر المصانع للإغلاق مؤقتًا لتجنب الخسائر الناجمة عن القصف والتخريب وغيرهما من الأعمال العدائية والتي عادة ماتدمر آلات ومنشآت الإنتاج الثمينة للغاية. وعند إعادة فتح تلك المؤسسات بعد انتهاء العمليات القتالية ستكون بحاجة لأعمال ترميم مكلفة جداً قبل البدء بإنتاج منتجات جديدة مرة اخرى وبالتالي سيكون لها تأثير سلبي ملحوظ على معدلات نمو الاقتصاد عموما وعلى قوة العمل خصوصاً .
من جانب آخر ، فإن تأثيرات الحرب على البنية التحتية واضحة ومباشرة حيث تصبح غير قابلة للاستخدام بدون دعم خارجي لفترة طويلة نسبيا حتى يتم تجديدها وإصلاحها مجددًا وبأسعار مرتفعة جدًا مقارنة بالمبالغ المعتمدة سابقًا لرعاية هذه الخدمات الضرورية مثل الكهرباء والمياه والنقل العام وما شابه. وهذا بدوره يساهم في زيادة عبء الإنفاق الحكومي وانحساره فيما تبقى منه لصالح ميزانية الدفاع وأجهزته المختلفة ذات الأولوية القصوى آنذاك بينما تسعى الحكومة لتوفير احتياجات سكانها الأساسية قدرالإمكان وسط حالة الاختلال التي تمر بها الدولة اقتصادياً واجتماعياً.
وفي نهاية المطاف، يمكن تلخيص نتائج التأثير السلبي للأحداث الحربية على أدوات السياسة المالية كالسياسة النقدية والسعر الرسمي للعملة الوطنية بأن تخلق تغييرات جوهرية طرأت عليها عقب اندلاع الأعمال العدائية ودخول البلد مرحلة جديدـة فرضـت عليه ظروفا قاهرة لاتخاذ قراراته وفق معايير مختلفــة تمام الحرجة منها تدني رصيد الاحتياطي الخارجي وضعف القدرة الشرائية للسكان الذين أصبح معظمهم تحت خط الفقر نتيجة انقطاع رواتبهم وانتشار البطالة بصورة عامة داخل المجتمع نظرا لانخفاض مستوى الوظائف ضمن دائرتها الانتخابية التقليدية.
وبذلك نرى كيف تقوم الحرب بتدمير الجوانب الاجتماعية والثقافية أيضاً فضلاًعن الجانب المالي منها وهو امر يستحق التأمل العميق لمنع المزيد من الدمار والحفاظ علي مقدرات الامم واستقلاليتها السياسية والعلميه والمعنوية ايضاً .