كانت النهضة الأوروبية مرحلة حاسمة في تاريخ الثقافة الغربية، تمتد تقريبًا من نهاية القرن الرابع عشر إلى بداية القرن السابع عشر. تُعتبر هذه الحقبة نقطة انعطاف بين العالم الوسطي والتحديث المبكر للإنسانية. سميت بهذا الاسم لأنها شَهِدت نهوضاً ثقافياً شاملاً يشمل مختلف جوانب الحياة البشرية والعلم والثقافة والفكر والفن.
ظهور مفهوم جديد للإنسان
من أهم الخصائص الرئيسية للنهضة اهتمامها الكبير بالإنسان نفسه ودوره في المجتمع. ظهرت حركة "الإنسانية" التي ركزت على تعظيم قدرة الإنسان على التعبير والاستقلال العقلي. كان هدف دعاة هذه الحركة فهم الذات ومعرفة النفس بشكل أفضل مما أدى إلى تطوير أساليب جديدة للتواصل الفكري والعاطفي. قاد هذا المنظور الجديد النظرية التعليمية نحو التركيز أكثر على الدراسات اللغوية والعلوم الطبيعية بالإضافة إلى إعادة اكتشاف الأعمال القديمة للفلاسفة الكلاسيكيين مثل أفلاطون وأرسطو وبوليو وغيرهم الكثير.
الثورة في الفنون والآداب
كما أحدثت النهضة تحولاً عميقاً في مجال الفنون والآداب. أثرت دراسة التصميم اليوناني وروما القديمتين بشكل كبير على الهندسة المعمارية والرسم والنحت والحرف اليدوية الأخرى تلك الفترة الزمنية. شهد العصر ارتفاع شعبية استخدام الضوء والظلال ونسبة الجسم الانسانية والدقة التاريخية والدقة البيولوجية كتقنيات رائدة. أمثلة منها أعمال ليوناردو دا فينشي ومايكل أنجلو رافائيل وغيرهم الذين تركوا بصمة واضحة طالت جميع وسائل الفن المعروفة حتى اليوم.
الآثار الاقتصادية والسياسية
على الجانب الآخر من النهضة، شهد الاقتصاد تغيراً ملحوظاً نتيجة انتشار طباعة الكتب وانتشار التعليم وسفر التجار عبر الطرق البحرية الجديدة حديثًا. زادت التجارة الدولية بسرعتها مهدتها طرق بحرية جديدة واستقرار سياسي نسبي. أما سياسيا فقد حدث انتقال تدريجي نحو شكل جديد للحكومة تتمثل بمشاركة الشعب مباشرةً واتخاذ قرارات مصير البلاد وفق آليات دستورية محكمة بعض الشيء ولكن لم تكن نفس الديمقراطية التي نعرفها الآن تمامًا؛ إذ ظلت معظم الدول تحت حكم ملك واحد ذات سلطات مطلقة بينما كانت هناك مؤسسات تشريعية تشكل مجلس الوزراء ومسؤوليه. أحد الأمثلة الشهيرة هي جمهورية فلورنسا التي برز دور فيها شخصيات مؤثرة مثل ماشيافللي صاحب نظرية الواقعية السياسية والذكاء الاستخباراتي المعاصر لهويته المحافظة التقليدية المتعارف عليها حاليًا باسم فلسفته الخاصة حول الشؤون العامة "مدى قوة الأمير".
هذه فقط خلاصة لما شهده عهد النهضة لأوروبا، فهي حقبة ستظل محل بحث وخلاف وسط باحثي تاريخ الغرب الحديث بسبب تأثيرها الواسع المدى وشاملة اتجاهها نحو تحديد الهوية الوطنية الأوروبية الأولى منذ القرون الوسطى قبل دخول عصر التنوير لاحقا.
