الدهشة الفلسفية هي المحرك الأساسي للفكر النقدي والعلمي، وهي غريزة طبيعية تؤدي بنا نحو اكتشاف الحقيقة وفهم الظواهر الكونية والحياة نفسها. يمكن اعتبار هذه الدهشة كالبذرة التي تنبت فيها شجرة الفلسفة، فهي ما يدفع الفلاسفة للتساؤل والاستقصاء عميقاً عن ماهية الأشياء وكيفية عملها.
بدأت رحلة فهم الدهشة الفلسفية مع أفلاطون، الذي اعتبرها سمّ الفيلسوف، قائلاً إنها تتجسد عندما نرى أشياء جميلة أو مثيرة للاهتمام مما يعزز طاقتنا لاستكشاف المزيد من الألغاز. أما أرسطو، أحد تلامذة أفلاطون، فقد ركز أكثر على جانب الاستجابة لهذه الدهشة، مؤكداً بأنها الدافع للنظر والقراءة المتعمقة لكل شيء غير مألوف. وبالتالي فإن الدهشة بالنسبة له تعد مصدر معرفتنا ومعرفتنا بها تطورت عبر الزمن.
كما رأى هيغل أن بداية كل فلسفة صادقة تكمن في حالة من عدم اليقين الشديد تجاه الافتراضات التقليدية السابقة لدينا جميعًا. إنه دعوة لشطب الأفكار الثابتة واستبدالها بفهم جديد للحقيقة. وفي هذا السياق تتداخل وظائف الدهشة الفلسفية الثلاث الرئيسية: خلق فضول معرفي قوي، وتمكين التفكير الناقد، والسعي لتحقيق السمو العقلي.
وتتمثل التأثيرات العملية للدهشة الفلسفية فيما يعرف بجوانب التحقق الذاتية والتحليل النقدي للمعتقدات الراسخة. فعندما نواجه مشهدًا غريبًا أو نظرية جديدة تستحق الدهشة، نشعر بالحاجة الملحة لفهم كيفية ارتباط عناصر المشكلة المختلفة ببعضها البعض وكشف العلاقات السببية بينهما. وهذه الرحلة المعرفية تشكل جوهر عملية استخلاص الرؤية العالمية الناجمة عن مواجهة مشاعر الغرابة والإدهاش العميقتين.
وفي القرن العشرين طور عالم النفس الفرنسي جان هرش تصنيفه الشهير لنوعيات مختلفة من الدهشة بناءً على مستويات التعقيد والحكمة المرتبطة بكل نوع منها. وقد سلط الضوء خاصته على دور التجارب اليومية الواقية والتي تضغط على عقولنا ونحن نتغرب قليلاً خارج مناطق راحة ذهننا المضمونة نسبياً. ومن أشهر الأمثلة المقدمة هنا قصة سقراط المبكرة حين طلب منه شرح الطبيعة الحقيقية للجنس البيولوجي للسيدة رغم عدم وجود اشتراك مباشر معه سابقاً! وقد أدى ذلك إلى حوار ذو مغزى كبير حول أهمية الصدق الأكاديمي والشخصية الأخلاقية بما فيها حتى قيم احترام المرأة واحترام الذات عامة.
وأخيراً، فالدهشة ليست مجرد رد فعل وقتي لحالة محددة فقط ولكن لها حضور دائم ضمن سيرورة تقدم المعرفة الإنسانية برمتها. فنحن مدينون بمعظم تقدمنا الثقافي والمعرفي لأناس شعروا بالفضول تجاه المجهول وكان لديهم الجرأة لملاحقة مخاوفهم وجذب انتباه الآخرين إليهم أيضًا.
وبذلك تكون الدهشة الفلسفية مفتاحاً رئيسياً لبناء مجتمع ملء بالتسائل المستمر ودائم الاقتراب من تحقيق هدف الوصول لأفضل نظريات ممكنة بشأن مختلف المواضيع المطروحة أمام البشرية جمعاء بلا انقطاع ولا انحسار أبداً...