يُعتبر العالم المسلم أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي أحد أبرز أعلام العصور الوسطى والذي يُلقب بـ "أبو الصناعة"، وذلك لما قدمه من إسهامات كبيرة في مجالات متعددة كالفلسفة والعلم والتاريخ والفلك وغيرها. ولد الكندي حوالي عام 801 ميلادي في مدينة الكوفة بالعراق، وهو يعد أول فيلسوف وأول عالم طبيعة يستخدم منهجاً علمياً منظماً في التأليف.
درس الكندي العديد من الأعمال اليونانية القديمة ونقلها إلى اللغة العربية، مما ساعد بشكل كبير في نشر المعرفة الغربية خلال تلك الفترة. كتب المؤلف الكبير أكثر من مئتي كتاب ورسالة تغطي مجموعة واسعة من المواضيع بما في ذلك الرياضيات وعلم الفلك والميتافيزيقيا والمنطق والفلسفة الطبيعية. كما وضع أسس الحركة الإصلاحية التي قادتها حركة الباطنية والتي كانت تسعى إلى تحديث التفكير الإسلامي وتحريره من بعض التعقيدات التقليدية.
تتميز أعمال الكندي بمزيج فريد بين المنظورين العربي والإغريقي القديم، حيث سعى دائماً لتحقيق توازن بين الروحانيتين الدينية والعلمية. ومن أهم مؤلفاته "كتاب النجوم الثابتة" الذي يقدم شرحاً مفصلاً للحركات النجمية وكيف يمكن استخدام هذه القواعد لتحديد الوقت والمكان بدقة عالية. بالإضافة إلى ذلك، فقد ألف الكتاب الشهير "الأصول" الذي يضم ثلاث رسائل تتعلق بالنظام العالمي والطبيعة الإنسانية والبراهين الدقيقة للمعقول والمعقول ضده.
ومن الجدير بالذكر أيضاً مساهمته الكبيرة في المجالات الطبية عبر كتبه حول علم التشريح والكيمياء والأدوية النباتية. وعلى الرغم من تصنيف البعض له بأنه "فيلسوف إسلامي إشكالي"، إلا أن تأثير أفكار الكندي امتد ليصل إلى أوروبا خلال عصر التنوير الأوروبي الحديث. بذلك، يجسد حياة هذا الرجل رحلة عبقرية استثنائية تركت بصمة واضحة ومؤثرة في تاريخ الحضارة البشرية جمعاء.