الكتابة الهيروغليفية، وهي مصطلح يوناني يعود أصله إلى "نقوش مقدّسة" ويعني حرفياً "كلام الإله"، تتجذّر عميقاً في قلب الثقافة المصرية القديمة. هذه اللغة الرونية تعتمد بشكل أساسي على الرسومات والرموز المرتبطة بالأشياء الموجودة في الطبيعة، مما يجعلها شكلاً فريداً من أشكال التواصل المرئي.
من منظور تقني، فإن الهيروغليفية ليست مجرد مجموعة من الرموز؛ بل إنها تنوع كبير من الأساليب التي يمكن استخدامها لقراءة النصوص المختلفة. يمكن لهذه النقوش أن تتخذ عدة أشكال - سواء كصور للأعين للإشارة إلى الضمير الشخصي الأول ("أنا")، أو تصوير لإحدى اليدين للتعبير عن قوة أو قوة ذاتية. ليس فقط هذا، ولكن الترتيب الذي تأتي به هذه الرموز ليس ثابتاً دائماً; فقد تكون مرتبة من اليسار إلى اليمين، ومن أعلى إلى أسفل، أو حتى بالعكس تماما! لكن المهم هنا هو قدرة القاريء على تحديد الاتجاه الصحيح بناءً على السياق العام للنص.
على الرغم من جماليتها وتطورها الواضح، ظل سر الكتابة الهيروغليفية غامضا لعشرات القرون بعد سقوط الحضارة المصرية القديمة. لم يكن حتى اكتشاف "حجر رشيد" سنة ١٨٢٢ بواسطة جان فرانسوا شامبليون، حيث وجد ثلاث نسخ متزامنة لنفس النص - الأولى بالهيروغليفية، الثانية بالدموتيك (نوع آخر من الكتابات المصرية) والثالثة بالإنجليزية اليونانية - أنه تم حل المشكلة أخيرا وفك تشفير النظام الهيروغليفي بأكمله.
ظهرت ضرورة ابتكار مثل هذا النوع من الكتابة نتيجة حاجة الدولة الفرعونية لتوثيق الأحداث التاريخية الهامة والسجلات الدينية والملكيات الفريدة، وذلك باستخدام صور توضيحية بدلا من الكلمات المكتوبة التقليدية. وبالتالي أصبح فن التصوير جزءا أساسيا من عملية حفظ المعلومات.
كانت الاستخدامات الرئيسية للهيروغليفيات تتضمن التأبين والجنائز وحفلات الزواج بالإضافة إلى الوثائق الرسمية الحكومية والدينية والدبلوماسية. ولاقت أيضا قبولاً واسعا لدى الطبقات المثقفة داخل المجتمع القديم بما فيها الكهنة والكتاب الذين كانوا يسجلون الوقائع اليومية والاحتفالات العامة عبر الصحائف المصنوعة من ورق البردى.
ومع مرور الوقت وبداية انتشار العقيدة المسيحية ورواج استخدام الأبجدية اليونانية خلال القرن الثالث للميلاد، بدأ الشعب المصري الأصلين يعرف باسم الأقباط بإدخال تلك الأبجدية لاستخداماتها المحلية بلغتهم المحكية. وهكذا شهدت مرحلة جديدة للحروف المصرية حين اندمج الجانبان القديم والحديث معا في مشهد حضاري جديد يغلف تراث مصر الغابر بحكايات وشهادات مستمرة عبر العصور.