يعدّ الباحث اللغوي الأمريكي رومان جاكوبسون أحد الرواد الذين تركوا بصمة واضحة في مجالات علم اللغة اللسانية. ضمن المساهمات العديدة التي قدمها جاكوبسون، يبرز تصنيفه لـ "وظائف اللغة"، والتي تعد أساساً لتوضيح العمليات المختلفة المرتبطة بالتواصل الإنساني عبر اللغة.
في كتابه الشهير "لغة التواصل بين الثقافات"، يقسم جاكوبسون الوظائف اللغوية إلى ست فئات أساسية تعكس النطاق الواسع للأدوار التي تلعبها اللغة في حياتنا اليومية. أول هذه الوظائف هي الوظيفة الإبداعية أو الفنية، تلك التي تهتم بشكل خاص بالخصائص الصوتية للنصوص الأدبية والأعمال الشعرية، حيث يتم التركيز على الموسيقى الداخلية للغة والإيقاع والكثافة التصويرية للرموز اللغوية.
أما الوظيفة المرجعية، فتدور حول استخدام اللغة لنقل المعرفة وتلقيها؛ فهي تشكل العمود الفقري للتخاطب التقليدي والمناقشات العلمية ونشر الأخبار وغيرها من أشكال الاتصال الشائعة. بينما تتمركز الوظيفة الأَدائية في إحداث تغيير فعلي في حالة العالم الخارجي باستخدام الخطاب نفسه كأداة فعلية - وهذا ما يحدث عندما نقوم بتوقيع عقد أو تقديم قسم دستوري مثلاً.
ومن ثم تأتي الوظيفة التعبيرية، وهي مرتبطة مباشرة بالأحاسيس الشخصية والتوجهات العاطفية للمتحدث؛ فهو يستخدم اللغة هنا لإظهار مشاعره وعواطفه بدلاً من مجرد نقل معلومة محددة. أما بالنسبة للوظيفة الفعالة، فإنها ترتبط بكيفية تأثير اللغة نفسها على المستمع وبالتالي التأثير عليه ذهنياً وجسدياً؛ سواء كان ذلك لتحفيزه أو لترويعه. أخيرا وليس آخراً, هناك الوظيفة الرمزية المرتبطة بنظام القيم والثقافة الاجتماعية العامة للمجتمع؛ فاللغة ليست فقط وسيلة اتصال ولكن أيضا مرآة تعكس قيم المجتمع وأسلوب حياته.
إن فهم هذه الوظائف المتنوعة يساعدنا كثيراً في تقدير مدى قوة وروعة اللغة وإمكاناتها اللانهائية لمواءمة الاحتياجات البشرية المتغيرة باستمرار. إن رؤية جاكوسون لهذه الوظائف توفر لنا منظوراً جديداً وغنيًا للعلاقات المعقدة الموجودة داخل وحدتنا العالمية المشتركة: اللغة.