النزعة العقلية هي اتجاه فكري يسعى إلى فهم تجربة الوعي والفكر البشري بشكل مستقل عن التجربة الحسية والمادية. تعود جذور هذه النزعة إلى الفلاسفة القدماء مثل ديكارت وبركلي وهوم، الذين طرحوا أفكاراً ركزت على دور العقل والمعرفة الذاتية والعلاقة بين الأفراد وعوالمهم الداخلية.
في القرن السابع عشر الميلادي، قدم ديكارت نظريته الشهيرة "أنا أفكر إذن أنا موجود"، والتي أكدت أن الوجود العقلي هو أساس وجود الإنسان. وفقاً لديكارت، يمكن للمرء معرفة العالم الخارجي عبر استخدام المنطق والاستدلال العلمي، لكن المعرفة الحقيقية تكمن في الوعي الداخلي والأفكار التي تولدها العقل. هذا النهج أدخل مفهوم اليقين المطلق كمصدر أساسي للمعرفة.
أما جورج بيركلي، أحد أشهر المدافعين عن النزعة العقلية، فقد ذهب أبعد بكثير في تأكيده على أهمية التجربة الشخصية والمعرفة المتأتية منها. بالنسبة لبيركلي، فإن الواقع ليس أكثر من مجرد مجموع الأحاسيس والتجارب التي يشعر بها المرء. وبالتالي، يصبح للعقل قدرة هائلة على تشكيل الواقع نفسه بناءً على ما ندركه ونختبره داخليا.
على الرغم من اختلافاتهما الواضحة مع بركلي، إلا أنه يوجد نوع من التشابه عندما نتحدث عن هوم وأفكاره حول النفسانية. هوم اعتقد بأن الإدراك يتم فقط من خلال التجارب الحية وأن كل ما نعرفه يأتي مباشرة من خلال حواسنا ولا علاقة له بالعالم خارجياً كما تصوره الفيزياء الكلاسيكية آنذاك.
تواصل النزعة العقلية التأثير حتى يومنا الحالي ضمن مجالات متعددة داخل الفلسفة الحديثة، بما فيها نظرية الفعل الحر ومناقشة طبيعة الذات الإنسانية وما إذا كانت عقولنا مستقلة أم تابعة لكيفية تنظيم المجتمعات والثقافات المختلفة. وفي المجالات التطبيقية، ساهم فهم عميق للنظريات العقلية في تطوير مجال علم نفس الوعي والدراسات المعرفية والذكاء الصناعي أيضًا بطريقة غير مباشرة - رغم أنها ليست جزءا مباشرا من التعريف الأصلي للنّزْعةِ العقلية حسب طلبكم-. إنها مساحة غنية ومتنوعة تحث التفكير وتوفر رؤى قيمة حول ماهيتنا ككيانات فكرية واجتماعية ومعرفية.
