تُعد كلية الفارابي الجامعية واحدة من المؤسسات التعليمية الرائدة في العراق التي لعبت دوراً بارزاً في تشكيل المشهد الأكاديمي في البلاد منذ تأسيسها. تعود جذور هذه الكلية إلى عام 1995 عندما تم إنشاء مركز الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية والإدارية والذي تطوّر لاحقاً ليصبح مؤسسة اكاديمية مستقلة تُعرف باسم "كلية الفارابي". تأتي تسميتها تكريماً للفيلسوف المسلم الكبير أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان البغدادي المعروف بالفارابي، تقديرا لتراثه الفكري الغني ومساهماته العلمية.
منذ بداية مسيرتها الأكاديمية، حرصت الكلية على تقديم برامج دراسية متنوعة تتناسب مع متطلبات سوق العمل المحلي والعالمي. بدأت بتخصصين رئيسيين هما علم الاجتماع والإدارة العامة ثم توسعت ليشمل قائمة تخصصاتها مجالات أخرى مثل الاقتصاد، العلوم السياسية، القانون المدني والجنائي، العلاقات الدولية وغيرها الكثير. هذا التنوع ساعد في جذب طلبة من مختلف الخلفيات والشرائح المجتمعية مما أسهم بشكل كبير في تنوع البيئة الطلابية وتعزيز الحوار الثقافي والفكري بين مختلف الأفراد والمجتمعات.
بالإضافة إلى الجوانب الأكاديمية التقليدية، أولت كلية الفارابي أهمية كبيرة لبناء قدرات طلابها خارج الإطار النظري. فقد قامت بإطلاق العديد من البرامج اللامنهجية مثل ورش عمل ودروس خاصة وبرامج تدريب عملية بالتعاون مع الشركات والمؤسسات المختلفة. هدفت هذه المبادرات إلى تزويد الطلاب بخبرة عملية تضاهي نظرياتهم النظرية وتمكينهم من دخول سوق العمل بكفاءة عالية وثقة مطلقة.
كما سعت إدارة الكلية دائما نحو تحديث المناهج وطرق التدريس بما يواكب التحولات العالمية الحديثة ويعكس حاجات مجتمع اليوم المتغيرة باستمرار. وقد حققت نجاحا كبيرا بهذا الصدد عبر اعتماد تقنيات تعليم مبتكرة واستخدام الوسائل الرقمية الجديدة بالإضافة إلى استقطاب أساتذة ذوي خبرة عالية وإصدار أعمال بحثية دوريا تساهم في رفد المكتبة العربية بمحتويات ذات قيمة معرفية وفكرية مرموقة.
إن الدور الحيوي لكلية الفارابي الجامعية في النهوض بالتعليم العالي داخل العراق ليس فقط محصورا بالتأثير المباشر على خريجيها الحاليين ومستقبلهم الوظيفي ولكن أيضا يندرج ضمن السياقات الأوسع لمشروع بناء الدولة المدنية والديمقراطية الحديثة والتي تعتمد بدرجة كبيرة على وجود نخبة مؤمنة ومعرفة بالقيم الإنسانية والقانون وحقوق الإنسان. وفي ظل الظروف السياسية والأمنية المضطربة التي يشهدها العراق مؤخراً تحتفظ كلية الفارابي بثبات عزائمه وجاذبية اسمه باعتبارها ملاذاً آمناً للمعرفة والثقافة والتقدم الاجتماعي المستدام المنشود لكافة أبناء الوطن الواحد.