يعد سد أسوان عاليًا، المعروف الآن بالسد العالي، واحدًا من أهم المشاريع الهندسية التي حملت بصمة مصر الحديثة وتميزها على خريطة العالم. يعود تاريخ التفكير في بناء هذا السد إلى عقود طويلة قبل تنفيذه الفعلي في الخمسينيات من القرن الماضي. كانت الحاجة الملحة للمياه ضرورية لتحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي هما الدافع الرئيسي وراء هذه الرؤية الجبارة.
في ثلاثينيات القرن العشرين، بدأت الدراسات الجدية حول إمكانية إنشاء سدود كبيرة في منطقة جنوب مصر لمعالجة مشكلات الفيضان والجفاف المتكررة. كان الدكتور حسن فهيم أحد الأوائل الذين اقترحوا فكرة بناء سد ضخم قادر على تخزين كميات هائلة من المياه خلال موسم الأمطار الشتوية، مما يضمن توافر مياه الري طوال العام.
ومع ذلك، فإن الاقتراح لم يحظ بدعم كبير آنذاك بسبب الصعوبات التقنية والفوائد غير المؤكدة آنذاك. ولكن مع تقدم الزمن وسعي البلاد للاستقلال وتنميتها بعد حصولها عليه عام 1952، ظهرت رؤية جديدة تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر. ركزتالرؤيا الجديدة على الاستقلال الاقتصادي عبر التحكم بشكل أفضل في موارد النيل وبالتالي تقليل الاعتماد على المساعدات الدولية.
بدأ العمل فعليا بالسد العالي عقب توقيع اتفاقيتي رودس ونهر النيل عام ١٩٥٩ والتي سمحت بمشاركة دول المنبع والمصب بالتساوي فيما يتعلق باستخدام مياه النهر. انطلقت أعمال البناء بطاقة وحماس هائلين حيث نظمت الحكومة المصرية حملة وطنية للتبرع ذهبت مداخيلها لصالح تمويل مشروع السد الضخم وصيانته ومرافقه.
تم افتتاح السد رسميًا عام ١٩٧١ ليصبح رمزاً للقوة الوطنية والإنجازات التنموية لمصر الحديثة، ويحقق هدفه الاساسي وهو تقديم حلول دائمة لتحديات ري الأراضي وتحلية الملوحة وإنتاج الكهرباء بالقوة الكهرومائية وغيرها العديد من الفوائد المستمدة من إدارة مستدامة لنهر النيل. إنه شهادة ملفتة للتخطيط الاستراتيجي والبناء المهني وقدرات المصريين المحليين.